“مكة” في حوار تخيلي مع نزار قباني: الشعر هو خلود الروح

  • 8/12/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن نزار قباني مجرد شاعر تطوف دواوينه مكتبات العالم العربي فحسب؛ بل كان الرجل الذي ترك بصمة خالدة في عالم الأدب العربي، بشخصيته وقاموسه وانحيازاته وانتصاره للثقافة والحرية والفن، هذه عوالمه الخاصة التي تفرّد فيها وانطلق يشدو كفارس لسنوات طويلة مستعينًا بموهبته الفذة وصدقه الخالص. “مكة” استدعت الشاعر الملهم وكان هذا الحديث التخيلي؛ لنقترب أكثر من عوالم نزار قباني في السطور التالية: س: شاعرنا العربي الكبير نزار قباني، بداية، كيف تصف حال الأدب العربي اليوم؟ نزار قباني: الأدب العربي مرّ بتحولات كثيرة عبر الزمن، من الشعر الجاهلي إلى الأدب الحديث. لكنّني أرى أن الأدب اليوم يعاني من تحديات كبيرة، خاصة في ظل العولمة والتغيرات الثقافية. على الرغم من ذلك، لا يزال هناك أصوات متميزة تحاول الحفاظ على هوية الأدب العربي وإثرائه بتجارب جديدة. س: كيف ترى دور الشعر في الثقافة العربية؟ وهل ترى أن الشعر يستطيع أن يكون وسيلة للتغيير الاجتماعي؟ نزار قباني: الشاعر ليس فقط مراقبًا للحياة، بل هو جزء منها، يحمل على عاتقه مسؤولية نقل صوت الشعب وهمومه. الشعر يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير الاجتماعي، فهو يثير التساؤلات ويحث على التفكير والتأمل. عندما يكتب الشاعر عن قضايا مجتمعه بصدق، فإنه يشكل وعيًا جماعيًا يمكن أن يساهم في إحداث تغيير حقيقي. لقد رأينا عبر التاريخ كيف لعب الشعر دورًا في الثورات والاحتجاجات، وكيف كان الشعراء في مقدمة المدافعين عن الحرية والعدالة. س: في سياق تجربتك الشخصية، كيف أثرت الأحداث السياسية والاجتماعية في الوطن العربي على كتاباتك؟ نزار قباني: الأحداث السياسية والاجتماعية كانت دائمًا حاضرة في شعري. لا يمكن لأي شاعر أن يكون بمعزل عن واقعه. الحروب، الصراعات، التغيرات السياسية، كل هذه الأمور كانت محفزًا لي للكتابة والتعبير عن آلام الوطن وآماله. في قصائدي، تجد انعكاسًا لما كان يحدث في العالم العربي، من نضال الشعوب إلى الآلام التي تسببها الحروب والظلم. الشعر هو المرآة التي تعكس ما يجري حولنا، وأنا أؤمن أن الشاعر يجب أن يكون صادقًا في نقل تلك الصورة. س: كيف ترى مستقبل اللغة العربية في ظل التحديات التي تواجهها، خاصة مع هيمنة اللغات الأجنبية والتكنولوجيا؟ نزار قباني: اللغة العربية جزء من هويتنا وتراثنا، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل العولمة وانتشار اللغات الأجنبية. مع ذلك، أؤمن أن اللغة العربية قادرة على التكيف والبقاء. لدينا تراث غني من الأدب والشعر والفكر الذي يعزز مكانة اللغة العربية. التحدي يكمن في كيفية تعليمها ونشرها بطرق تجذب الأجيال الجديدة. التكنولوجيا يمكن أن تكون عدوًا أو صديقًا للغة، حسب كيفية استخدامها. إذا كان هناك الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا لتعزيز تعليم اللغة ونشر الأدب العربي على نطاق واسع، فإننا سنتمكن من الحفاظ على لغتنا وإحيائها بشكل يتناسب مع العصر. س: ماذا يعني لك أن تبقى قصائدك حية بعد رحيلك؟ نزار قباني: أن تبقى قصائدي حية هو أكبر شرف يمكن أن يحصل عليه شاعر. الشعر هو الوسيلة التي يتواصل بها الإنسان مع الأجيال القادمة، وأنا سعيد بأن كلماتي ما زالت تلامس قلوب الناس حتى بعد رحيلي. أن تظل قصائدي تُقرأ وتُستمع إليها يعني أنني نجحت في توصيل رسالتي، وهذا هو الهدف الأسمى لأي شاعر. الشعر هو خلود الروح، ومن خلاله يظل الشاعر حيًا في قلوب الناس. س: سيد نزار، عندما ننظر إلى قصائدك، نرى مزيجًا متقنًا بين النقد الاجتماعي والسياسي والحب. كيف توازن بين هذه المواضيع؟ نزار قباني: بالنسبة لي، الشعر هو مرآة تعكس حياة الإنسان بكل تناقضاتها. الحب والسياسة والنقد الاجتماعي هي جوانب مترابطة من التجربة الإنسانية. عندما أكتب عن الحب، أنا أكتب عن الحرية، وعندما أكتب عن السياسة، أكتب عن الحق في العيش بكرامة. الحب ليس مجرد شعور فردي، بل هو انعكاس لعلاقات القوة والهيمنة في المجتمع. الحب يمكن أن يكون تمرّدًا ضد الظلم، ويمكن أن يكون مسعى للبحث عن الأمان في عالم مضطرب. التوازن بين هذه المواضيع يأتي بشكل طبيعي، لأنني أرى العالم من منظور شامل، حيث كل شيء مترابط. س: الحب كان محورًا أساسيًا في قصائدك، لكنه لم يكن مجرد حب رومانسي. كيف ترى العلاقة بين الحب والقضايا الكبرى مثل الحرية ؟ نزار قباني: الحب هو الطاقة التي تحرك الإنسان نحو الأفضل. الحب هو الشعور الذي يجعلنا نرغب في تحقيق العدالة والحرية. عندما نحب، نصبح أكثر إنسانية، وأكثر رغبة في رؤية عالم أفضل. الحب بالنسبة لي ليس فقط علاقة بين شخصين، بل هو حب للحياة، وللحرية، وللعدالة. قصائدي عن الحب تحمل في طياتها دائمًا رسالة أكبر، رسالة عن الحقوق وعن الكرامة الإنسانية. الحب يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير، وبدونه نفقد جزءًا كبيرًا من إنسانيتنا.

مشاركة :