حرب التحالف العربي على «القاعدة» تعرّي أجندة صالح والحوثي

  • 4/29/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

عدن: الخليج كشفت الحملة العسكرية والأمنية التي قامت بها وحدات من الجيش اليمني، بإسناد من قوات دول التحالف العربي ضد عناصر القاعدة في عدد من المحافظات اليمنية الجنوبية الأيام الأخيرة، الكثير من الوجوه والجهات، التي كانت تقف وما زالت مع تلك العناصر لتنفيذ أجندة خاصة تصب في مصلحتها، وتستفيد من أعمالها لترسم واقعاً يتماشى تماماً وتوجهاتها المختلفة. ولعل إصرار وفد ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، في مفاوضات الكويت الحالية، على وقف الغارات الجوية، قبل الشروع في أي مباحثات، بما في ذلك الغارات التي تشنها طائرات التحالف العربي على مواقع تنظيم القاعدة في محافظات حضرموت وأبين ولحج، دليل لا يقبل الشك والتأويل على ارتباط تلك العناصر بالميليشيات والمخلوع، رغم رفعها شعار الحرب ضد الدواعش، وهي أمور باتت مكشوفة وعن كل ذي عينين غير خافية. لم يعد المجتمع اليمني، بالذات المتحرر منه من هيمنة ميليشيات التمرد، غافلاً عن مغالطات وافتراءات تلك الجماعة، إذ إن الناس خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية، يتذكرون تماماً، كيف كانت تسيطر ميليشيات الحوثي وصالح على طول الخط الرئيسي الرابط من عدن إلى أبين ومنها إلى البيضاء شرقاً، ومن عدن إلى لحج وتعز وإب وذمار وصنعاء شمالاً، في الفترة من 26 مارس 17 يوليو من العام المنصرم، دون أن تُسجل أية حادثة استهداف واحدة، أو عملية انتحارية ضد ميليشيا الحوثي وصالح، رغم سهولة ذلك، وكيف ازدادت بشكل فاضح، ضد عناصر الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية الجنوبية فيما بعد، والتي ذهب ضحيتها المئات من الجنود، ولم يسلم منها حتى المواطن العادي والبعيد تماماً، عن صراعات السياسة، وهي أمور تدحض وبشكل كبير افتراءات العداء المزعوم بين تنظيم القاعدة وميليشيات الحوثي وصالح، وتؤكد اشتراكهما في تنفيذ سياسات وأجندة خاصة تتوافق ومصالحهما المشتركة. من هنا البداية المتتبع لمجريات نشوء القاعدة في اليمن، سيخلص إلى أنها ليست وليدة المصادفة، بقدر ما كانت شريكاً فاعلاً وأساسياً منذ سنوات عديدة، حين استخدمها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ضد خصومه في حرب صيف 1994، واستقباله لمجاميع كبيرة ممن شاركت في الحرب الأفغانية - السوفييتية سابقاً، مدفوعة بوعود من قبل نظامه، بتأسيس نظام إسلامي في اليمن بعد الانتصار على معارضيه في جنوب الوطن، وهو ما لم يحدث لاحقاً. في نوفمبر 1998، أي بعد 4 سنوات من الحرب، انفرط عقد الشراكة بين صالح والقاعدة، بحسب مهتمين بشأن الجماعات المتشددة، عقب اختطاف جماعة مسلحة بقيادة أبو الحسن المحضار، الذي نصب نفسه زعيماً لما يسمى جيش عدن - أبين، لسياح أوروبيين في مدينة مودية، بمحافظة أبين، أفضت فيما بعد إلى القبض عليه ومحاكمته ومن ثم إعدامه مع 2 من معاونيه، بتهمة قتل 4 سياح ألمان وإنشاء تنظيم غير مسموح به. أسبوعان فقط، من إعدام أبو الحسن، نوفمبر 1999، أعلن التنظيم بعدها تنصيب أبو محسن المحضار زعيماً جديداً، ليدخل في مواجهات مفتوحة مع نظام صالح، قادته فيما بعد هو الآخر للمحاكمة والسجن بتهم مختلفة، بينها قيادة تنظيم مخالف للقوانين، والتحريض على الدولة، واحتضانه في منزله عدداً من المطلوبين أمنياً، بينهم محمد مصطفى كامل نجل زعيم أنصار الشريعة المقيم في لندن. وشهدت السنوات الأربع التالية من تلك الأحكام هدوءاً تاماً لم يبدده إلا ظهور جماعة مسلحة في جبال حطاط بأبين، سرعان ما قاد الجيش اليمني حملات ضدها، أفضت إلى مقتل عدد من تلك العناصر المتطرفة، والقبض على آخرين بينهم زعيم الجماعة خالد عبدالنبي، الذي أطلق سراحه فيما بعد ورقي إلى رتبة عقيد في الأمن السياسي، ولا يزال يتنقل حتى اللحظة بين منازله في مدينة جعار ويافع التابعتين لمحافظة أبين. ومع اهتزاز القبضة الأمنية في أبين، تحديداً في المناطق النائية، كما هي الحال بمنطقة المحفد، تمكنت مجاميع شبابية مسلحة، وفدت من مناطق مختلفة، لتتشكل جماعة متشددة، كانت فيما بعد هدفاً لطائرة أمريكية بدون طيار، أخطأت هدفها لتقتل أكثر من 34 شخصاً بينهم نساء وأطفال، في حادثة المعجلة الشهيرة، 17 ديسمبر 2009، والتي تسببت بحالة استياء شديدة في المنطقة. السيطرة على أبين مع تفجر الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام صالح في أوائل فبراير 2011، أعادت الجماعات المسلحة تنظيم صفوفها وتمكنت بعد معارك محدودة من إسقاط مدينة جعار أكبر مدن أبين على الإطلاق، بيدها، ثم العاصمة زنجبار في 27 مايو 2011. وجاء الحادث بعد عشرات الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة، ضد نقاط تفتيش تابعة للجيش والشرطة في أبين، وأسفرت عن مصرع العشرات من منتسبي هذه الأجهزة الأمنية المختلفة. وفي العملية ذاتها، تمكنت القاعدة من الحصول على كميات ضخمة من الأسلحة أثناء سيطرتها على مواقع للجيش اليمني بجعار بينها مصنع للأسلحة في المدينة، وأخرى تركتها القوات اليمنية أثناء هروبها من زنجبار. وعقب سيطرتها التامة على المحافظة أعلن تنظيم القاعدة، أبين إمارة إسلامية، وأطلق عليها ولاية أبين وعاصمتها وقار، وأنشأ أماكن للشرطة والمحاكم ونفذ الكثير من الأحكام. اتهمت المعارضة اليمنية حينها، النظام اليمني بأنه قام بتسليم مدينة زنجبار إلى أيدي عناصر القاعدة بهدف إيهام العالم الخارجي بوجود خطر حقيقي لتنظيم القاعدة في اليمن. وبعد عام كامل من المعارك تمكن الجيش اليمني، بقيادة اللواء سالم قطن، قائد المنطقة العسكرية الرابعة، الذي اغتيل فيما بعد، من تطهير مدن جعار وزنجبار في 2 يونيو 2012 وما جاورهما من قبضة القاعدة، لتلقي عملية التحرير بظلالها على مستقبل التنظيم، الذي بدا وكأنه خلال تلك الفترة، قوة لا يستهان بها، عطفا على العمليات النوعية التي نفذها في اتجاهات مختلفة. الهزيمة المرة التي تجرعها التنظيم على يد الجيش واللجان الشعبية المساندة له، بدد الهالة الإعلامية الكبيرة التي ظهر عليها خلال أشهر الحرب، وتغيير استراتيجيته المعروفة بالهجوم ثم الاختفاء، إلى استراتيجية السيطرة على الأرض والظهور علناً، وهو ما جعل العالم العربي والغربي يصنف اليمن بؤرة للإرهاب وملاذاً لعناصر التنظيم المحارب عالمياً. وتردد إبان فترة سيطرة القاعدة على أبين أن عملاً استخباراتياً كبيراً، شاركت فيه دول كثيرة إقليمية ممثلة بدول الخليج العربي وعالمية كالولايات المتحدة الأمريكية وبتعاون يمني كبير، الغرض منه الإيقاع بعناصر التنظيم وتهيئة الظروف المناسبة أمامها للتجمع في مكان واحد، ثم الإجهاز عليها، وهو ما بدا جلياً من خلال جعل أبين بطبيعتها الجغرافية السهلة مكاناً للعملية، ومن ثم قتل وتصفية قيادات كبيرة وعناصر عجزت الولايات المتحدة ومن خلفها العالم الغربي من الوصول إليها منذ إعلانها الحرب على الإرهاب. وبحسب مراقبين ومهتمين بشؤون القاعدة، فإن خيوط العملية والإيقاع بعناصرها، بدأت تتكشف منذ دخول تلك الجماعة أبين منتصف عام 2011 وتمكين عدد من رجال التنظيم بالتعاون مع السلطات في تلك الدول والسماح لهم بالخروج من بلدانهم صوب أبين حتى تسهل عملية الإيقاع بهم والقضاء على شأفة التنظيم نهائياً، لكن ذلك لم يتحقق بشكل كلي، لأن التنظيم كما بدا استوعب اللعبة فأخفى عدداً من رموزه وقيادته التي آثرت قيادة الحرب في أبين عن بعد، وهو ما كشفته الأشهر الأخيرة التي شهدت تنامياً كبيراً لعناصر التنظيم في عدد من المحافظات واستغلال حاجة المئات من الشباب العاطل عن العمل بالذات في المحافظات الجنوبية وما تبع ذلك من سيطرة على عدد من المناطق والمدن مستغلة حالة الدولة الرخوة في المحافظات المحررة، لتعلن القاعدة عن نفسها مجدداً وبشكل مباشر، ليؤكد التنظيم أن ما حصل في أبين منتصف عام 2012 مجرد كبوة سرعان ما نهض منها، وغدا قادراً على لملمة أوراقه مستغلاً حالة البلد الأمنية، قبل ان تنتهي أطماعه في السيطرة مؤخراً، تحت وقع ضربات طيران التحالف العربي وأفراد المقاومة الشعبية الجنوبية، وبعض وحدات الجيش الوطني، خلال الأيام القليلة الماضية. وأد المشروع في مهده حاولت الميليشيات الانقلابية والمخلوع علي عبدالله صالح لخبطة الأوراق في المحافظات المحررة، من خلال استغلال ورقة القاعدة، كوسيلة ضغط أمام العالم لتبرير مشروعها الطائفي المقيت، وإيهام العالم بأنها وحدها من تستطيع كبح عناصر التنظيم، وبما يمكنها من السيطرة على مقاليد الأمور في البلد مجدداً بعد أن تم لفظها والدوس على مشروعها الطائفي المقيت، واستغلال تنامي فكر القاعدة واتساع عملياته، في البلد المثقل بالكثير من الهموم والمشاكل وإظهار اليمن كدولة غير قادرة على تجاوز محنها وواقعها المفعم بالكثير من الأوجاع والعلل، لكن آمالها صدمت بجدار الوعي المجتمعي في تلك المناطق ورفض أبنائها لكل أشكال التطرف والإرهاب، وللموقف الحازم من قبل دول التحالف العربي، خاصة من السعودية والإمارات، لتنهي ورقة المخلوع الأخيرة التي كان يراهن عليها، وتقضي على فزاعة القاعدة في مهدها، الأمر الذي جن له جنون المتفاوضين في الكويت لعلمهم أن ورقتهم تلك قد باتت اليوم في واد سحيق. لماذا محافظات الجنوب؟ الناظر للأعمال الأخيرة، التي قام بها تنظيم القاعدة مؤخراً، سيلحظ أنها فقط تتركز في عدد من المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يفتح باباً كبيراً للتساؤلات، لماذا الجنوب وحده؟، ولماذا أعماله لا تصل إلى باقي المحافظات بالذات الشمالية منها؟، رغم شعارات العداء المتبادلة بين الطرفين، والتي غدت بحسب الكثير من المتابعين، مجرد شعارات فارغة من محتواها، إذ كيف يمكن التفسير، أن تظل صنعاء مركز الدولة، وصعدة معقل الجماعة الحوثية، بمنأى عن هجمات التنظيم، وبعيدة تماماً عن اهتمامات وأعمال التنظيم الإرهابية المختلفة. ضربة موجعة شكل تحرير المكلا عاصمة محافظة حضرموت، (620 كم عن عدن) مؤخراً، ضربة موجعة ليس لعناصر التنظيم وحده، وإنما لأطماع وآمال ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، والتي عبر عنها موقف الوفد المفاوض في الكويت بشكل جلي من خلال رفضه تأييد الضربات الجوية لطائرات التحالف ضد عناصر ما يسميها بـ الدواعش، بل ومطالبته بوقف الضربات، بما فيها تلك التي طالت مواقع العناصر الإرهابية، وهو الأمر الذي يعزز حتماً من ارتباط الجماعة بالمخلوع علي عبدالله صالح والميليشيات الانقلابية، التي كان يراهن عليها في خلط الأوراق في المحافظات المحررة، لإيهام المجتمع المحلي والخارجي بأنه وحده من يستطيع القبض على خيوط اللعبة في اليمن، وأنه الوحيد القادر على إلجام صوت الجماعات المتطرفة مثلما يتوهم. ولعل أجمل ما في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية مؤخراً بالتعاون مع دول التحالف العربي لمحاربة تنظيم القاعدة وتفويت الفرصة على ما كانت تراهن عليه الميليشيات والمخلوع، أنها حظيت بمساندة شعبية منقطعة النظير في كل من عدن ولحج وأبين وحضرموت، للشعور المتنامي عند أغلبية أهالي تلك المحافظات، بأن غض الطرف عن تلك الأعمال، من شأنه إبقاؤها، تحت مقصلة التهديد، فضلاً من كون ذلك يشكل خطراً حقيقياً لمجمل الخطوات التي تسعى الحكومة اليمنية لتثبيتها في المحافظات المحررة، وتشكيكاً في الانتصار المؤزر الذي حققه شبابها، بمساعدة دول التحالف، أواخر شهر رمضان الماضي، ودليل لا يقبل الشك على أن ليس لـ القاعدة حاضنة شعبية خاصة في المحافظات الجنوبية، وسكانها أكثر من ينبذ التطرف والإرهاب. ماذا بعد؟ بعد أن سقطت أوراق صالح توالياً في المحافظات المحررة، بما في ذلك ورقة القاعدة، يبرز السؤال، ما الذي يمكن لصالح والميليشيات المراهنة عليه الآن، وماذا بقي للمجتمع الدولي خاصة الأمم المتحدة كي تتضح الصورة لها، وتعمل على القيام بواجباتها تجاه هذه الميليشيا التي أدخلت اليمن في مستنقع الحرب والاقتتال، وساهمت بشكل جلي وواضح في إحداث فجوة كبيرة في النسيج الاجتماعي اليمني، وتدمير كامل للاقتصاد الذي شهد أسوأ مراحله منذ قيام الثورة اليمنية. عن أي تسويات سياسية تبحث عنها الأمم المتحدة في اليمن، في ظل هيمنة وبطش الميليشيات بالملايين من أبناء الشعب خاصة في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، ما الذي تنتظره الأمم المتحدة حتى تخرج من سلبيتها وتعمل جاهدة على إنقاذ الملايين من البشر من القتل والجوع الذي يفتك بالعشرات وأحياناً بالمئات بشكل يومي ومتسارع. هل من العقل والمنطق أن تبقى الميليشيات تسرح وتمرح، وقد أثبتت الوقائع والأحداث تورطها فيما وصلت إليه الأوضاع في اليمن من تدهور خطر في كافة مجالات الحياة، أيعقل أن تظل الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها ولد الشيخ، تغض الطرف عن كل أعمال التسويف والمماطلة في الجلوس على طاولة مفاوضات جادة، تمنح اليمن وشعبها بصيص الأمل في الخروج من براثن الأزمة التي تعصف بحياة الناس فيه. لقد سقط قناع القاعدة في عدن ولحج وحضرموت وأبين، لكن ماذا بعد كل ذلك؟ هل ستتفطن الأمم المتحدة إلى ألاعيب الميليشيات والمخلوع صالح، وهل ستلتزم الصمت كما كان حالها سابقاً، إزاء الكثير من أعمال القصف والتنكيل بأفراد الشعب، أم أنها ستسارع إلى الوقوف في وجه الميليشيات الانقلابية بما يتوافق والأهداف التي جاءت لأجلها في حفظ أمن وسلامة الشعوب، أسئلة كثيرة تطرح نفسها الآن وبقوة، فهل من مستجيب؟

مشاركة :