مصطفى جودة يكتب: خطابات نتانياهو الأربعة «2-2»

  • 8/14/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جميع خطابات نيتانياهو وخصوصا خطاباته أمام الجلسات المشتركة لمجلسى النواب والشيوخ الأمريكيين، فى حاجة الى دراسة وتحليل أدبى وسياسى ونفسى، فهى الدليل المفسر لاستراتيجيته وفكره الحقيقى وأنها تمثل نوعا جديدا من الأدبيات والذى يمكن أن يطلق عليه أدب مخالفة الواقع. هو الوحيد الذى نال كل الرضا من المجلسين فأنعموا عليه بالفضل الأكبر وذلك بدعوته أربع مرات لإلقاء خطاب، وهو الأمر الذى جعله يتفوق على تشرشل الذى دعى فى أثناء الحرب العالمية الثانية ثلاث مرات. بالنسبة لنيتانياهو كانت الدعوة الأولى عقب انتخابه وإطاحته بإسحاق شامير الذى كان من رموز إسرائيل وأحد أيقوناتها التاريخية، وأصبح بعدها رئيسا للوزراء ودعى لإلقاء خطابه الأول بتاريخ 10 يوليو 1996، والثانية بتاريخ 24 مايو 2011، والثالثة بتاريخ 4 مارس 2015، والرابعة بتاريخ 24 يوليو2024، وهو شرف لم ينله أحد من قبل وربما من بعد. هو يتعمد فى خطاباته أن يظهر كأنه واحد منهم وتؤهله معرفته بالثقافة الأمريكية وشعابها من القيام بذلك على أكمل وجه نتيجة تلقيه تعليمه الثانوى ببنسلفانيا، ثم الجامعى فى معهد ماسيتشوستس للتكنولوجيا حيث درس الهندسة المعمارية ثم حصل على الماجستير فى إدارة الأعمال ثم عمل بعدها فى إحدى الشركات ثم عمل فى السفارة الإسرائيلية. كل هذا يجعله ملما إلماما كاملا بالثقافة الأمريكية وبطريقة الحياة الأمريكية، وبالتالى فهو يتعمد دائما ذكر أنه مهندس معمارى خريج الإم. آى. تى المرموق كنوع من العلو حتى على مستمعيه من المجلسين ويقتبس من الروائية البريطانية جورج إليوت والشاعر الأمريكى روبرت فرست ليخلق انطباعا بالموسوعية والرقى الثقافى لدى مستمعيه . تشترك الخطابات الأربعة فى بنيان واحد ومبادئ ثابتة مكررة وهى مبدأ ضرورة دفع أمريكا لتهاجم إيران وتقضى على منشآتها النووية، وعندما أدرك أن حسابات أمريكا مختلفة عن حساباته وأنها لن تصدع لطلبه الدائم بضرب إيران، قرر اتخاذ طريقة أخرى لتحقيق ذلك فى مغامرته الأخيرة عقب عودته من إلقاء خطابه الرابع أمام الكونجرس فأصدر تعليماته باغتيال إسماعيل هنية فى طهران بطريقة أريد بها محاولة جر أمريكا بعنف، وذلك لأن إيران لا بد أن يكون لها رد فعل وهى فى هذه الحالة ستجبر على مساعدته والمشاركة الفعلية فى الدفاع عنه مثلما صرح وزير دفاعها. هذا هو مبدأ نيتانياهو الذى يحاول فيه تقليد العرف الأمريكى وهو أن يكون لكل رئيس مبدأ أو عقيدة سياسية منذ الرئيس مونرو الى الرئيس بايدن. اتهام الآخرين بالإرهاب والديكتاتورية والتخلف الحضارى ووصف إسرائيل والإسرائيليين بالحضارة والديمقراطية مع المعسكر الغربى على غرار ما كانت الرومان واليونانيون يصفون أنفسهم به ويصفون بقية العالم بالبرابرة. فى كل خطاباته الأربعة يقتبس من الكتاب المقدس ويصف الآخرين بالتطرف الدينى والذى لا بد من اجتثاثه. هو يفعل ذلك عقائديا لأنه يعتقد أنه مفضل على العالمين، وإستراتيجيا إرضاء لليمين المتطرف الذي يمثله بالداخل الإسرائيلى، وعالميا وخصوصا فى أمريكا إرضاء لليمين المتطرف والمؤثر فيها والذي يعتقد المنتمون إليه وهم كثر أنه ملك من ملوك العهد القديم. حقيقة الأمر أنه نجح فى ذلك نجاحا باهرا فهم يعاملونه وكأنه أسطورة دينية.يقول متملقا أمريكا فى خطابه الأول: إننى أعتقد أن سوء الحظ الذى أصاب الشعب اليهودى كان يتمثل فى أن الولايات المتحدة لم تكن قد تولت بعد دورها المحورى فى العالم فى النصف الأول من هذا القرن، ولقد كان من حسن حظنا العظيم أن الولايات المتحدة أصبحت القوة الأعظم فى العالم فى النصف الثانى من هذا القرن مع البعث الاسطورى للقومية اليهودية. ويقول فى خطابه الثانى عنها: لقد اختصت العناية الإلهية الولايات المتحدة لتكون حارسة الحرية، وكل الشعوب التى تقدس الحرية مدينة بالامتنان العميق لأمتكم العظيمة، وأكثر الأمم امتنانا هى الشعب الإسرائيلى الذى ناضل من أجل حريته وبقائه فى مواجهة الصعاب فى العصور القديمة والحديثة، وكممثل لإسرائيل أقول لكم شكرا على دعمكم المستدام لإسرائيل، وشكرا لكم على ضمان اشتعال شعلة الحرية فى جميع أنحاء العالم. بارككم الله وبارك الولايات المتحدة الى الأبد. ويقول فى الخطاب الثالث: إن التحالف المتين بين إسرائيل والولايات المتحدة كان دائما فوق السياسة ولا بد أن يظل هكذا لأنه يجمعنا مصير مشترك وهو مصير الأراضي الموعودة التي تقدس الحرية والأمل، وإسرائيل دائما ممتنة للدعم الكبير الذى تقدمه أمريكا والشعب الأمريكي والرؤساء الأمريكيون من هاري ترومان الى باراك أوباما. ويقول في خطابه الرابع: إننى متفائل بشأن الأمريكيين، فأنا أعلم كم ضحى شعبهم فى سبيل الحرية، وستظل أمريكا قوة من أجل النور والخير فى عالم مظلم خطير لكل الشعوب الحرة فى كل مكان وستظل أمريكا منارة الحرية. إنني على ثقة تامة بأن بلدينا سينتصران على الطغاة والإرهابيين الذين يهددوننا جميعا مهما طال الزمن ومهما كانت صعوبات الطريق أمامنا. يقول فى خطابه الأول عن الحضارة: إننا نتفق فى رؤية مشتركة حول كيفية حكم المجتمعات وكيفية تقدم الحضارة ونحن نؤمن بالله تعالى ونحن نتبع التقاليد التى حفظها وقدسها الزمن والمعايشة، وإننا على ثقة من أن أمريكا لن تتخلف مرة أخرى عن الاضطلاع بدور قيادي فى حماية حضارتنا الحرة، ويقول فى خطابه الثانى: كما تنبأت الكاتبة العظيمة جورج إليوت قبل أكثر من قرن من الزمان فإن الدولة اليهودية بمجرد تأسيسها سوف تتألق كنجم ساطع من الحرية وسط أنظمة الاستبداد فى الشرق. لقد كانت محقة فلدينا صحافة حرة ومحاكم مستقلة واقتصاد مفتوح ومناقشات برلمانية صاخبة.

مشاركة :