استجاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمقترحات القوى الوطنية بتعديلات قانون الحبس الاحتياطي التي أظهرت مرونة معقولة من الحوار الوطني في بعض مطالب المعارضة، في حين أن الأخيرة لم تستطع استغلال الفرصة بالمشاركة في النقاشات وطرح وجهة نظرها في القانون. القاهرة - وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي الأربعاء بإحالة التوصيات التي رفعت إليه بشأن تعديلات قانون الحبس الاحتياطي إلى الحكومة، وسرعة اتخاذ الخطوات اللازمة لتفعيل ما تم التوافق عليه، استجابة لمناقشات الحوار الوطني. وثمنّت قوى مدنية وحقوقية هذه الخطوة، واعتبرتها مؤشرا على إمكانية القيام بإصلاحات سياسية كبيرة، ومنحت الحوار الوطني قوة معنوية والمزيد من الحيوية، حيث تعهد بالاستجابة لما تطرحه القوى الوطنية، بما لا يؤثر على المصلحة العامة. وأكد السيسي أن استجابته نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مشددا على أهمية تخفيض الحدود القصوى للحبس، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائي يستلزمه التحقيق دون أن يتحول إلى عقوبة، مع تفعيل البدائل والتعويض المادي والأدبي وجبر الضرر لمن يتعرض لحبس خاطئ. ورفع مجلس أمناء الحوار الوطني الاثنين إلى الرئيس السيسي التعديلات المطلوبة على القانون، وذلك باستجابة محدودة للمعارضة التي تمسكت بعدم حبس سجناء الرأي والسياسيين، وهو ما تطرقت إليه التعديلات على استحياء، وتركت الأمر لجهات التحقيق في النيابة العامة. وحددت التوصيات الأسباب التي يكون فيها الحبس الاحتياطي وجوبيا بأربعة حالات، هي: إذا كانت الجريمة في حالة تلبس ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره، والخشية من هروب المتهم والإضرار بمصلحة التحقيق بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، والعبث في الأدلة، وتوقي الإخلال بالنظام العام. وأظهرت مرونة معقولة من الحوار الوطني في بعض مطالب المعارضة، وأصبح ممكنا تجنيب المتهم الحبس الاحتياطي في القضايا التي لا تؤثر على النظام العام والأمن والاستقرار، لأنه سيلتزم بتنفيذ التدابير البديلة عن السجن المؤقت إلى حين محاكمته، دون أن تنص أي مادة على اقتصار ذلك على سجناء الرأي. وترى دوائر سياسية في القاهرة أن المعارضة أضاعت على نفسها فرصة لإدخال تعديلات أكبر تتفق مع قناعاتها السياسية، واختارت مقاطعة جلسات الحوار بحجة أن الحكومة تتلكأ في مناقشة الموضوعات الملحة التي تطرحها القوى المدنية. خالد داوود: المعارضة ليست في خصومة مع النظام وتبحث عن إصلاحات خالد داوود: المعارضة ليست في خصومة مع النظام وتبحث عن إصلاحات وغابت المعارضة عن جلسات الحوار التي ناقشت تعديلات الحبس الاحتياطي مؤخرا، وامتنعت الحركة المدنية عن المشاركة بما فيها أحزاب وشخصيات عامة فيها، واقتصرت النقاشات على أحزاب قريبة من الحكومة وأسماء مستقلة. وبرر قانونيون عدم تطرق تعديلات قانون الحبس إلى سجناء الرأي بأنه لا يجوز وجود مادة في قانون مفصّلة على مقاس فئة بعينها، لكن يُمكن أن توضع نصوص تشريعية من خلال مجلس النواب تُحجم من اتخاذ إجراءات بالحبس الاحتياطي ضد أصحاب الرأي، ما لم يمثلون خطورة على الأمن والنظام العام. ودلل هؤلاء على حُسن نواياها بأن هناك مادة خاصة بإجازة عدم الحبس الاحتياطي لأي شخصية متهمة في “جُنحة”، ولها مقر إقامة ثابت ومعروف في مصر، وكان الحد الأقصى للعقوبة المقررة في تلك الجنحة، الحبس سنة، وهنا طالما أن المتهم معروف عنوان سكنه وموقعه، يظل في منزله إلى حين محاكمته. وإذا كانت التهمة المنسوبة إلى الشخص “جناية” لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي أو التدبير البديل عن خمسة أشهر إلا بقرار من المحكمة، وليس النيابة العامة، وإلا وجب الإفراج عن المتهم أو إنهاء التدبير البديل، ما يعني أن الحبس الاحتياطي مشروط بمدد محددة، وليس مفتوحا كما ينص التشريع القائم حاليا. ومهما كانت طبيعة التهمة لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تتجاوز أربعة أشهر في الجنح واثني عشر شهرا في الجنايات، وثمانية عشر شهرا إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام. وقد تكون لبعض أصحاب الرأي توجهات مناهضة للدولة ويثيرون الناس لتحقيق مصالح سياسية ذاتية، ومن غير المنطقي أن يتم استثناء هؤلاء من الحبس الاحتياطي وقت محاكماتهم، أو تركهم أحرارا إلى حين الفصل في القضية، بالتالي يصعب أن يُقدم النظام على الاستجابة الكلية للمعارضة في قضايا تمس الأمن والاستقرار. وقال خالد داوود عضو الحركة المدنية الديمقراطية والقيادي بحزب الدستور إن تعديلات قانون الحبس خطوة تأخرت كثيرا، وتظل العبرة في الممارسة على الأرض، والمشكلة ليست في القانون بقدر ما ترتبط بآلية تنفيذه وتحسين نظرة الحكومة إلى كل صوت مختلف معها على أنه ليس صاحب مصلحة خاصة. ◙ المعارضة أضاعت على نفسها فرصة لإدخال تعديلات أكبر تتفق مع قناعاتها السياسية واختارت مقاطعة جلسات الحوار بحجة أن الحكومة تتلكأ في مناقشة الموضوعات الملحة وأضاف لـ"العرب" أن تحسين وضعية الحبس الاحتياطي يرتبط بقرار سياسي وممارسات أمنية وليس تشريعات، لأن مصر بها الكثير من القوانين التي تصون حق السجناء، لكن تنفيذها يحتاج إلى إرادة، والمعارضة ليست في خصومة مع النظام وتبحث عن إصلاحات حقيقية، وكان يجب أن يتم الاستماع إلى مطالبها في الحوار الوطني قبل أن ترفع توصيات إلى رئيس الدولة غير مرضية في بعض نصوصها. وثمة أزمة بين المعارضة والحكومة ترتبط بتحديد الأخيرة مساحة الرأي المقبولة بالنسبة لها، ولا يُمكن تجاوزها، في حين تتمسك الحركة المدنية بعدم وجود سقف أو خطوط حمراء أمام أي رأي، ولا يجوز إسكاته أو ترهيبه أو القبض على صاحبه بقطع النظر عن الخلفية السياسية له. ولفت خالد داوود في حديثه لـ"العرب" إلى أن تقريب المسافات بين النظام والمعارضة ليس مهمة مستحيلة، ويتطلب الاستجابة للقوى المدنية في فتح الحريات والسماح بالنشاط السياسي بلا قيود وإتاحة الفرصة كاملة أمام وسائل الإعلام والكف عن استهداف بعض المعارضين ووضعهم في خانة واحدة مع أعداء الوطن. وما يعني الحكومة في المقام الأول بملف السجناء أن تكف المنظمات الحقوقية المحلية والأجنبية وبعض الحكومات الغربية عن المتاجرة بقضية الحبس الاحتياطي وتحولها إلى عقوبة ضد معارضين، وهي ثغرة أراد النظام غلقها بنصوص مرنة لا تجعل القاهرة تحت ضغط حقوقي طوال الوقت. وتتعرض الحكومة المصرية إلى انتقادات من منظمات حقوقية دولية من وقت إلى آخر بسبب ما تعتبره "وقائع اعتقال عشوائي لسياسيين" دون خضوعهم لمحاكمات عادلة وناجزة، ويتم حبسهم احتياطيا لفترات طويلة.
مشاركة :