غادر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قطر مساء الثلاثاء، في ختام جولته التاسعة إلى الشرق الأوسط منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قبل أكثر من 10 أشهر. ومثل جولاته الثماني السابقة، لم تحقق هذه الجولة أي شيء. وقبل وصوله إلى قطر زار بلينكن إسرائيل ومصر. وتأتي جولته في وقت يتوقع فيه العالم تحقيق تقدما ملحا باتجاه وقف إطلاق النار في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين في القطاع 40 ألف شخص. وتزايدت المخاوف من اتساع رقعة الصراع بعد تعهد إيران وحزب الله اللبناني بالانتقام من إسرائيل في أعقاب اغتيال قائد المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران ومقتل القائد العسكري البارز بحزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية في نهاية يوليو. ورغم تحذير بلينكن في بداية جولته من أن هذه المحاولة "قد تكون أفضل فرصة وربما الأخيرة" لإعادة الرهائن والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لم يكن هناك أي تقدم في الأفق. وواصلت إسرائيل ضرب غزة يوم الثلاثاء، واتهمت حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق من خلال فرض شروط ومطالب جديدة، ما يشير إلى عدم إحراز تقدم باتجاه التسوية. ــ نزاعات عالقة وجرت الجولة الأخيرة من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة في الدوحة الأسبوع الماضي، حيث أصدر الوسطاء الأمريكيون والمصريون والقطريون بيانا مشتركا أشار إلى أن المحادثات أحرزت تقدما "بناء" فيما يتعلق بمقترح وقف اطلاق النار بين حماس وإسرائيل، مضيفا أن الأطراف المعنية ستواصل جهودها هذا الأسبوع للتفاوض بشأن تفاصيل المقترح. وبعد اجتماعه مع نتنياهو يوم الاثنين، أعلن بلينكن أن نتنياهو أبلغه بالموافقة على مقترح سد الفجوات بين إسرائيل وحماس. وفي حديثه إلى الصحفيين في مطار الدوحة يوم الثلاثاء، تعهد بلينكن "بالقيام بكل ما هو ممكن" في الأيام المقبلة "لاقناع حماس بالموافقة على المقترح". وفي ليلة الإثنين، اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن حماس بـ"التراجع" عن صفقة رهائن محتملة مع إسرائيل يمكن أن توقف القتال المستمر في غزة، وفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية. ومن جانبها، وصفت حماس في بيان أصدرته يوم الثلاثاء تصريحات بايدن بأنها "إدعاءات مضللة"، وتأتي في إطار الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل، معتبرة التصريحات بمثابة ضوء أخضر متجدد للحكومة الإسرائيلية "لارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين العزل سعيا وراء أهداف إبادة وتهجير شعبنا". وقال مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، إن "التقارير التي تعكس التفاؤل مبالغ فيها إلى حد كبير أو تعبر عن أمنيات بعيدة عن الوضع الفعلي". وأضاف "الفجوة بين الجانبين (إسرائيل وحماس) واسعة جدا خاصة فيما يتعلق بممر فيلادلفيا ومطلب إسرائيل ببقاء القوات الإسرائيلية هناك فيما بعد". وتابع "الأمريكيون يدركون جيدا أن الفجوة بين إسرائيل وحماس عميقة جدا". وذكر خير ديابات، الأستاذ في قسم الشؤون الدولية في جامعة قطر "رغم التفاؤل المعلن من الجانب الأمريكي، إلا أن الوساطة الأمريكية لم تنجح في حل المشكلة بين حماس وإسرائيل، لأن التوصل إلى اتفاق لن يكون سهلا بسبب الخلافات الجوهرية بينهما". وتواصل القتال على الأرض في غزة يوم الثلاثاء. وقال الجيش الإسرائيلي إنه قتل حوالي 40 مسلحا في رفح جنوبي قطاع غزة. ــ غياب ضغط أمريكي حقيقي ومنذ اندلاع الصراع، توقفت مفاوضات وقف إطلاق النار مرارا. وتصر إسرائيل على أن الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا بتفكيك حماس بشكل كامل، في حين تطالب حماس بوقف دائم لإطلاق النار وليس مؤقتا. ووفقا لمصطفى أمين، الباحث المصري في الشؤون العربية والدولية، فإن فشل الوساطة الأمريكية في الشرق الأوسط وعدم قدرتها على حل المشكلة منذ البداية وحتى الآن ينبع من عدم وجود ضغط حقيقي من قبل واشنطن على إسرائيل لوقف الحرب، في الوقت الذي تواصل فيه واشنطن تزويد الأخيرة بالأسلحة لقتل الفلسطينيين. وقال أمين إن نتنياهو والمسؤولين اليمينيين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية يدركون جميعا أن إدارة بايدن لا تستطيع ممارسة ضغوط مؤثرة على إسرائيل بسبب انشغالها بالانتخابات الرئاسية المقبلة وعدم رغبتها في تعريض علاقاتها مع إسرائيل للخطر. وبمراجعة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ اندلاع الصراع المستمر في غزة، تبدت خلافات علنية وملحوظة بين بايدن ونتنياهو. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الخلاف بينهما لا يعدو أكثر من مناورة سياسية انتخابية من كونه صداما جوهريا حول غزة. وفي مايو الماضي، أعلنت إدارة بايدن وقف شحن الأسلحة الثقيلة إلى الحكومة الإسرائيلية على خلفية مخاوف من خططها لمهاجمة رفح. ومع ذلك، لا تبدو هذه الخطوة الآن أكثر من ستار دخان. وتأتي جولة بلينكن الأخيرة في الشرق الأوسط بعد أيام فقط من إعلان البنتاغون موافقته على صفقة بيع محتملة لطائرات مقاتلة وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار دولار أمريكي، في 13 أغسطس. وقال باريس دوستر، وهو أكاديمي بجامعة مرمرة في اسطنبول، "لا أعتقد أن الولايات المتحدة تسعى باخلاص إلى التوصل إلى سلام صادق وأصيل ودائم ومستدام في المنطقة". وأشار إلى أنه إذا تم تحقيق مثل هذا السلام، فلن يكون لدى الولايات المتحدة سبب للبقاء في الشرق الأوسط وستفقد أساس وجودها هناك. ووفقا لدوستر، فإن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يخدم العديد من المصالح الأساسية للولايات المتحدة مثل تأمين الوصول إلى موارد الطاقة في المنطقة ودروب الاستغلال، وتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، ومواجهة نفوذ الدول الكبرى الأخرى، والسعي لتغيير النظام في إيران، وتسهيل مبيعات الأسلحة في المنطقة.
مشاركة :