اضطرابات النوم بين الأسباب النفسية والعضوية

  • 5/1/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الكثير منا يعيش ضحية مشكلة ما في حياته من دون أن يدرك أبعادها، وتأتي اضطرابات النوم من أهم العوارض التي تشغل الإنسان، حيث تؤدي إلى خلل في توازن دورة الحياة اليومية من عمل في النهار ونوم في الليل مثل الأرق، وزيادة النعاس خلال النهار، والشخير، فقد كان يعتقد الكثيرون أن هذه الاضطرابات مرتبطة فقط بالعوامل النفسية، ولكن أصبح هناك اهتمام خاص بتصنيف اضطرابات النوم من قبل المختصين ومعرفة أسبابها من الناحية العضوية، وحول هذا الموضوع التقت الصحة والطب مجموعة من الأطباء الاختصاصيين. يبين الدكتور سهيل عبد الله الركن استشاري طب المخ والأعصاب أن الأرق هو الصعوبة في بدء النوم وخلل في جودته وعدم مواصلته، بالرغم من استيفاء المدة اللازمة التي تتراوح بمعدل بين سبع إلى ثمان ساعات يوميا، مما يتسبب في الإحساس بالخمول و التعب بعد النوم، وبالطبع يؤثر سلباً في مزاج الإنسان، والأداء اليومي و الصحة، ومن المعروف أن أغلب الناس يتعرضون للأرق ولو مرة واحدة في حياتهم، وقد يستمر بشكل مزمن مع البعض، وقد أثبتت الدراسات الإحصائية أن 10% من الأمريكان يعانون أرق النوم، ومشاكل في فترة النوم، وأن 75-90%من المصابين بالأرق يعانون مستقبلاً مشاكل صحية مزمنة مثل أمراض القلب والأعصاب واضطرابات التنفس، وارتجاع المعدة والآلام المزمنة. ويضيف د. سهيل: للتمكن من الوصول إلى العلاج المناسب للأرق، يجب علينا إدراك أعراضه وأسبابه أولاً، ومن أعراضه الخمول، القلق الناتج عن التفكير الزائد، ضعف الانتباه وعدم التركيز، تدني مستوى الأداء الوظيفي، اضطراب المزاج والرغبة في النوم أثناء النهار، ولذلك يترتب أن يخضع المريض لتقييمات عدة قبل التشخيص بالأرق، كما هو موصى حسب الدراسات الحديثة لطب النوم، مثل التقييم الشامل لوضعك الصحي والنفسي، اختبار نمط النوم اليومي، أو وجود أي عرض من أعراض اضطرابات النوم، وقد يكون الأرق هو العرض الأساسي أو ثانوي بسبب الأمراض الصحية مثل الآلام المزمنة، الربو، فرط الغدة الدرقية وغيرها، لذلك ينصح الشخص المصاب بالأرق أن يفتش عن المصدر بشكل شامل قبل البدء في العلاج. ويوضح د. سهيل الركن أن الكثير من الأشخاص الذين يعانون الأرق، اعتادوا النوم أثناء النهار لتعويض ما فاتهم من نوم الليل وهنا تزداد المشكلة سوءاً فلذلك يتخذ بعض المعالجين أسلوب تقييد النوم بالليل فقط، ولو كانت ساعاته قليلة فلا يسمح للشخص بالنوم أثناء النهار، ويستغرق هذا العلاج أسابيع حتى يتسنى للشخص الاستفادة من العلاج، علاوة على الانخراط في برنامج العلاج السلوكي العقلي على شكل جلسات متعددة مع المختصين بحيث يتم تغير التفكير تجاه النوم، وقد استفاد بعض الأشخاص من هذه البرامج العلاجية بعد ست ساعات من هذه الحصص العلاجية، أما بالنسبة للأدوية المناسبة لعلاج الأرق فمن الأفضل أخذها بعد التقييم الكامل من قبل المختصين حتى يستفيد منها المريض بشكل سليم ومناسب. ويستكمل: علاج الأرق واضطرابات النوم يعتمد على الأسباب المؤدية إليه، وأهم خطوة في العلاج هي التأكد من صحة طريقة النوم وكما يسميها المختصون سلامة النوم، فهي الطريقة العملية والسلوكية التي يمكن من خلالها تحسين جودة النوم، وتكون عن طريق تمرين الاسترخاء وهو أن يتعود الشخص على استرخاء جميع عضلات جسده بشكل منتظم من أعلى الجسم إلى أسفله من دون أي حركة قبيل النوم، كما يجب على الإنسان الذي يعاني اضطرابات النوم أن يحد من النشاطات اليومية داخل غرفة نومه، ويكون تواجده فيها للنوم فقط، فبذلك يستطيع برمجة تفكيره مع مكان النوم فيسهل عليه الأمر، وألا يستغرق أكثر من عشرين دقيقة قبل البدء في النوم، وإن لم يستطع فعليه الخروج من غرفة النوم ويحاول الانشغال بأمر آخر كأعمال البيت، أو القيام ببعض الأشياء أو القراءة لمدة قصيرة إلى أن يشعر بالنعاس، ومن ثم يحاول أن ينام وإذا لم يستطع فعليه تكرار الانشغال بأمر آخر إلى أن يشعر بالنوم، ولا ينصح من يعاني الأرق بالقيلولة أثناء النهار. ويوجه د. سهيل سؤالاً لأصحاب المتاعب الخاصة بالنوم قائلاً: إذا كنت تعتقد أنك تعاني أرقاً أو اضطراباً في النوم فاسأل نفسك: هل تستغرق أكثر من ثلاثين دقيقة للشروع في النوم أو تشعر بالصعوبة في معاودة النوم إذا استيقظت أثناء فترة الليل أو أنك تستيقظ قبل الفترة التي ترغب بقضائها في النوم ؟، هل تشعر بالنوم أثناء النهار أو الخمول واضطراب المزاج ؟، هل تقضي فترة كافية للنوم على الأقل سبع ساعات؟، هل تنام في مكان هادئ مريح ومظلم؟، إذا كانت إجابتك نعم في جميع الأسئلة السابقة فأنت تعاني الأرق، وإذا استمرت الأعراض لأكثر من ثلاثة أشهر فإنك تحتاج لمراجعة طبيب اضطرابات النوم، ولمن يشعر بأن كفاءته لإنجاز أعماله اليومية بدأت تتأثر بسبب الأرق واضطرابات النوم عليه أن يراجع عاداته ونمط نومه اليومي، واستخدام ما سبق ذكره من طرق العلاج في التخلص من الأرق، علاوة على ذلك أن يقوم بمراجعة المختصين من الأطباء في معالجة اضطرابات النوم والأرق. ويتحدث الدكتور ستيفين ألموس، اختصاصي آلام القحفية الوجهية والمفصل الصدغي الفكي واضطرابات التنفس أثناء النوم مؤكداً أن من الأسباب العضوية التي تسبب اضطرابات النوم، هو ضيق النفس الاضطجاعي أثناء الرقاد، وينتج عن أن العضلات التي تحافظ على فتح مجرى الجهاز التنفسي تكون في حالة استرخاء، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للهواء بالمرور من خلال البلعوم، واهتزاز الأنسجة الرخوة، ما يؤدي إلى الشخير، ونقص تدفق الهواء وغالبا ما يسبب انخفاض مستوى الأكسجين في الدم، وبناء على ذلك يتم تنبيه الدماغ وبالتالي إلى أنماط النوم المتقطع. كما يؤدي نقص الأكسجين إلى عدد من الأعراض مثل النعاس المفرط، التعب العام، والاكتئاب، وفقدان الذاكرة وتغييرات المزاج التي ربما تؤثر في الحياة الشخصية والاجتماعية والعمل للفرد المتضرر وتزيد من احتمال تعرضه لحوادث أثناء العمل أو أثناء قيادة السيارة، وعلى المستوى الصحي أيضاً هناك زيادة مخاطر ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية والسكتات الدماغية، ومرض السكري، الخ.. من ضمن الأجهزة الحديثة والأكثر فاعلية للعلاج هو جهاز ضيق النفس الاضطجاعي يركب في داخل الفم بهدف علاج الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم، ما يزيد من قوة العضلات في منطقة الجهاز التنفسي، ويسمح للهواء بالتدفق بحرية، ونتيجة لذلك، يتم التخلص من الشخير، وتقل نوبات انقطاع التنفس، مما يؤدي إلى تحسين نوعية الحياة للمرضى، ومن خصائصه أنه مريح وسهل الاستخدام ومصمم خصيصاً لكل فرد ومصنوع من مواد حيوية (بالحرارة التيتانيوم). ويقول الدكتور أرشاد إبراهيم طبيب علم النفس والأعصاب والأخصائي في اضطرابات النوم: من أسباب مشكلات النوم انقطاع النفس الانسدادي النومي، حيث تم تسجيل إصابة ما يقارب من 64% من حالات المرضى التي تمت دراستها بانقطاع النفس الانسدادي النومي أو متلازمة مقاومة مجرى الهواء العلوي (UARS)، وهو اضطراب في النوم يتميز بمقاومة مجرى الهواء للتنفس أثناء النوم، فقام الباحثون والأطباء بتكثيف الجهود لزيادة الوعي حول انقطاع النفس الانسدادي النومي والعوامل المرتبطة به ذات المخاطر العالية. ويضيف د. إرشاد: كشفت بعض الدراسات الحديثة حول دراسة تخطيط النوم المتعدد المفصلة، التقاط حتى أصغر اضطرابات التنفس أثناء النوم والتي يمكن أن تتسبب من دون علم المريض باضطرابات كبيرة بالنوم، وأصبحت تتوفر الآن أجهزة من أحدث التقنيات لإجراء تصوير أشعة مقطعية بالإشعاع المخروطي (CBCT) ثلاثي الأبعاد لمجرى الهواء العلوي، والذي بدوره يحدد مناطق المشكلة بدقة ويقدم علاجات بديلة فعالة لعلاج ضغط المجرى الهوائي الإيجابي المستمر (CPAP)، ومن بينها أجهزة فموية حاصلة على موافقة من إدارة الغذاء والدواء (FDA) التي تجمع بين دفع الفك السفلي إلى الأمام والمحافظة على اللسان ممدوداً للأمام ومنع انهيار صمام الأنف وصريف الأسنان كله في وقت واحد. وفي محاولة لتسليط الضوء على الأعراض التي يجب نعير انتباهنا إليها، ذكر الدكتور إبراهيم أيضاً أن صرير الأسنان أثناء الليل (صريف الأسنان) والاستيقاظ مع آلام في الفك أو الوجه قد يكون نتيجة لمشاكل في التنفس أثناء النوم. كما وأن إصدار الصوت أثناء التنفس أو الشخير عند الأطفال عامل مهم يشير إلى وجود مشاكل في التنفس أثناء النوم والتي يمكن أن تؤثر في نوعية النوم والنمو، في حين قد يساهم أو يؤدي عدم معالجة انقطاع النفس الانسدادي النومي لدى الأطفال والبالغين كليهما إلى حدوث مشاكل صحية كبيرة. ويضيف: عند تقييم المرضى الذين يعانون اضطرابات النوم، من الضروري الحصول على بيانات موضوعية تم قياسها بدقة في حياة المريض اليومية، وبات ذلك متاحاً عن طريق التقنيات الحديثة مثل ساعة الأنشطة وتخطيط النشاط، فأصبح من الممكن الآن قياس النشاط الشخصي ودرجة حرارة البيئة المحيطة ومستويات الضوء والحالة المزاجية عن طريق جهاز مشابه لساعة اليد، ويستخدم تخطيط النشاط في تقييم المرضى الذين يعانون الأرق ومتلازمة اضطراب الساقين، واضطراب النظم اليوماوي، وفرط النشاط وضعف التركيز واضطرابات القلق والمزاج، واضطرابات النوم في مرحلة الطفولة. ويوضح أن التصوير بالأشعة المقطعية والإشعاع المخروطي تقييم روتيني للمرضى الذين شخصوا بمرض انقطاع التنفس أثناء النوم، ويستخدم تصوير الأشعة المقطعية بالشعاع المخروطي في العديد من تطبيقات الوجه الفكية مثل تصوير موقع الزرع وتشخيص وتخطيط علاج العمليات الدماغية الوجهية وتقويم الأسنان، كما هو مفيد جدا في معرفة موقع القناة الفكية لخلع الضرس الثالث ورؤية مجرى الهواء واضطرابات المفصل الفكي الصدغي. وعلى مدى واسع، أصبح تصوير الأشعة المقطعية بالشعاع المخروطي يستخدم في تشخيص وعلاج انقطاع النفس الانسدادي للمساعدة في تحديد العلاج المناسب لهؤلاء المرضى المصابين به، وتعد أكثر التشوهات الهيكلية في المرضى المصابين بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم: 1) نقص الفك العلوي أو السفلي. 2) انخفاض حجم الحيز الخلفي لمجرى الهواء. (يقاس من قاعدة اللسان). 3) تضخم اللسان. 4) تضخم الحنك الرخو. 5) تواجد العظم اللامي بالأسفل. ويؤكد أن دور الطب النفسي في علاج اضطرابات النوم له بعد كبير ويعد جزءاً تكاملياً في المنهج العلاجي، ويشمل التدخل الدوائي والتدخل الاجتماعي النفسي، وهناك تقنيات حديثة تشمل دمج العلاج الإدراكي والعلاج السلوكي وتدخلات نمط الحياة بما يشمل نظافة النوم والنظام الغذائي والتدخلات العلاجية الرئيسية الأخرى، ويتم فيها تكييف تلك التدخلات لوضع كل مريض، ويشمل العلاج المعرفي السلوكي تمييز الاعتقادات والسلوكيات الاعتلالية المتعلقة بالنوم واستبدالها ببدائل تكيفية. وعلى سبيل المثال، يُسأل المرضى الذين يعتقدون أنه يجب النوم لمدة 8 ساعات خلال الليل للقدرة على تأدية الوظائف خلال النهار عن الدليل وراء ذلك وخبرتهم الشخصية لمعرفة مدى صحة هذا الأمر، ويتم تشجيع أولئك الذين يعتقدون أن الأرق سبب في تدمير القدرة على الاستمتاع بحياتهم على اتباع مهارات تكيفية والتوقف عن رؤية أنفسهم كضحايا، وتساعد تلك التغيرات السلوكية على تقليل القلق المصاحب لليقظة التي تعيق النوم، ويحظى أخصائيو الطب النفسي والمعالجون النفسيون بالاعتماد المهني اللازم والخبرة التي تساعد المرضى على تخطي المصاعب النفسية والسلوكية لاضطرابات النوم.

مشاركة :