قدّم الأستاذ الناقد على الشدوي خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي ورقة نقدية بعنوان (قاموس المعارف الأدبية الأولية) قال فيها هيأ كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" تصوراً ذهنياً يرتبط بالعمالة للأجنبي، والإلحاد، والخيانة الوطنية، والخطر على الدين، وكان هذا الكتاب من أخطر الكتب التي صدرت في أواخر ثمانينات القرن المنصرم، لا تأتي خطورة هذا الكتاب من قيمته المعرفية أو المنهجية، بل من تلقيه من قبل القراء والمتابعين، وفي الطريقة التي انتشرت بها أفكاره. ولفت الشدوي إلى أنّه يمكننا أن نوصف تلقي الكتاب بنظرية الاتصال ذي الخطوتين، ووفقا لهذه النظرية فإن الناخبين الذين غيروا رأيهم، لم يجر التأثير فيهم بشكل مباشر عن طريق الرسائل التي وصلتهم من الصحف أو الراديو، إنما غيروا رأيهم بتأثير شخصي من قادة الرأي المحليين الذين تابعوا الأحداث مباشرة من الوسائط، ثم شرعوا يؤثرون في أتباعهم بشكل أساسي من خلال الاتصال بهم وجها لوجه. وقال تبعا لهذه النظرية فالموقف الذي بناه كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" تجاه الحداثة، لم يكن بسبب مباشر من الكتاب المطبوع والموزع بكميات هائلة ومجانا، بل استند إلى أقلية محدودة من الدعاة والوعاظ والمذكرين الذين قرؤوا الكتاب، وناقشوا أفكاره وتمثلوها، وحفظوا شواهده الأدبية، ثم شرعوا ينقلونها إلى الناس من خلال الاتصال بهم وجها لوجه، سواء كان هذا الاتصال عن طريق المحاضرات أو المخيمات أو ما سمي في تلك الفترة بمجالس الذكر. وبيّن الشدوي أنّه يلزم ونحن نتأمل الصراع بين الحداثة وخصومها، ألا ننظر إلى "كتاب الحداثة في ميزان الإسلام" وحده في بناء موقف عامة الناس من الحداثة، بل إلى الكيفية التي استقبل بها الكتاب، وإلى الكيفية التي تدوالت بها أفكاره، هناك أقلية تعرف الكتاب، وقد قرأته فعلا، ومن المؤكد أن اتصال هذه الأقلية الشفهي هو الذي هيمن على مواقف العامة وليس الكتاب المطبوع، وأن اتصال هذه الأقلية بعامة الناس قد اتخذ أشكالا متعددة بداية من الوعظ والمحاضرات، وانتهاء بالقيل والقال التي سادت في تلك الفترة من الصراع. وأوضح الشدوي إذا عرفنا كيف نقرأ هذا الصراع من وجهة نظر المواطن الذي يهتم بالشأن العام الثقافي فسيقدم لنا توضيحات مهمة عن فقر في المعلومات الأولية الأدبية عند القراء، لا بد للمرء من أن يعرف مفهوم الحداثة ومفهوم التقليد لكي يحسن التعامل مع نقاش بين الحداثيين والتقليديين، وإذا كان على المرء أن يدلي برأيه في نقاش عام كهذا وهو لا يعرف شيئا عن الحداثة ولا عن التقليد فإن آراءه ستكون غريبة عن الموضوع، تقودني هذه الرؤية النقدية إلى أهمية المفاهيم والمعارف الأدبية الأولية التي يحتاج المرء إلى الإلمام بها ليعرف كيف يكون مواطنا يناقش قضية مثارة. وقال: ما معنى المعارف الأدبية الأولية؟ هي الإطار المعرفي اللازم لكي يتوفر للفرد فهم كاف للأدب؛ بحيث يمكنه التعامل مع القضايا الأدبية التي تعرض له في حياته سواء عبر الصحف أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ينبني هذا التعريف على اعتبارات خاصة تخص المواطن المتوسط ثقافيا؛ فمثلما هناك حاجة إلى أن يعرف المواطن ما يكفي من قواعد كرة القدم وقوانينها لكي يقرأ مقالا تحليليا عن مباراة، كذلك هو في حاجة إلى أن يلم بمعارف أدبية أولية حتى يتسنى له تكوين رأي في قضية أدبية مثارة بين الرأي العام، إن قدرا أساسيا من فهم المعارف الأدبية الأولية يمكن أن يضيف إلى خبراتنا بالحياة. وأضاف: لقد مثلنا أعلاه لقضية رأي عام هي الحداثة والتقليد، ويمكن أن نوضح هنا بقضية أخرى، وهو النقاش الذي يدور أحيانا بين مؤيدي شعر التفعيلة وبين مؤيدي قصيدة النثر، إذا لم يعرف القارئ معنى شعر التفعيلة أو معنى قصيدة النثر فسيقرأ أو يسمع من دون أن يفهم، بإمكان أي مواطن يعتزم المشاركة في حوار ما في قضية أدبية عامة أن يحدد حدا أدنى للإطار المعرفي عن هذا الحوار، واللازم لفهم موضوعة، وما يدور حوله، وأحسب أن هذه المعرفة هي نوع من جواز المرور إلى مضمار الحياة المدنية التي تُعنى بالحوار والنقاش. وشهدت الحلقة التي أدارها الناقد د. محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور وكان من أبرز الحضور د. سعيد السريحي ود. عبدالله الخطيب ود. عبدالرحمن السلمي ود. أحمد ربيع والمهندس سعيد فرحة وصالح فيضي ود. فاطمة اليأس ود. منى المالكي.
مشاركة :