عُقدت اليوم الجلسة السادسة من "ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما" والمُقامة برحاب المسجد النبوي والتي تُنظمها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالتعاون مع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وبالشراكة الإعلامية مع هيئة وكالة الأنباء السعودية. وكان عنوان الجلسة التي حضرها العديد من أصحاب الفضيلة العلماء (ضوابط تغير الفتوى وتطبيقاتها في الحرمين ) ورأَسَها وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ومقرر الجلسة المشرف العام على شؤون الأئمة والمؤذنين والتوجيه والإرشاد بالمسجد الحرام الشيخ عبدالله بن حمد الصولي، تحدث فيها عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للفتوى معالي الشيخ الدكتور عبدالسلام بن عبدالله السليمان عن ضوابط تغير الفتوى وبين أن الفتوى التي تتغير يوازن فيها المصالح والمفاسد، فيقدم المصلحة الغالبة، أو المفسدة الغالبة، وعند تساويهما يكون درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا تعارضت مصلحتان قدم أعلاهما، وإن تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما، بارتكاب أدناهما. وأضاف معاليه أن الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة لا تتغير بمرور الزمان ولا بتغير الأحوال، وإنما الفتوى هي التي تتغير بناء على أصول شرعية، وعلل ومصالح مرعية موافقة لما في الكتاب والسنة، فلا تغير في الفتوى إذا كان التغيير يعارض نصًا من القرآن الكريم أو يعارض حديثًا نبويًا من الأحاديث الصحيحة الصريحة أو المتواترة، أو القطعية الدلالة. وأكَّد في نهاية حديثه أن العمل بالمقاصد في تغير الفتوى أساس مهم لتنزيل الأحكام الشرعية لمقاصدها، ولا يصلح أن يؤدي تغير الفتوى إلى مصادمة لمقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة هي المعتمد عند المفتين في النوازل والمستجدات في كل زمان ومكان، فلا بد لكل مُفْتٍ ومجتهد أن يكون على دراية بها. من جانبه تحدث عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سامي بن محمد الصقير عن النوازل في الحرمين وأثرها في تغير الفتوى وبيَّن أن الأدلة الشرعية والقواعد المرعية التي جاء بها الدين الحنيف تضمنت معانٍ تعمُّ جميع الحوادث إلى يوم القيامة و أن العلماء أطلقوا اسم "النوازل" على كل مسألة تقع أول مرة، أو سبق وقوعها لكن طرأ ما يستدعي إعادة النظر فيها للوصول إلى حكمها على ضوء أدلة الشرع وقواعده، مشيرًا إلى أن الاجتهاد في بيان حكمها واجب، إذ هو من فروض الكفايات على أهمية دراسة النوازل وبيان حكمها تظهر في إبراز صلاحية الشريعة الإسلامية لكل مكان وحين، وإظهار محاسنها للعالمين، وبيان سماحتها ويسرها ورفقها بأحوال المكلفين. واضاف ان الضوابط التي ينبغي للمجتهد مراعاتها قبل إصدار حكمه في النازلة، أن تكون الحادثة قد وقعت أو يُتوقع حدوثها، وأن تكون النازلة من المسائل التي يسوغ النظر والاجتهاد فيها، وأن يفهم النازلة فهمًا دقيقًا، مراعيًا التثبت والتحري باستشارة أهل الاختصاص، معتمدًا في كل ذلك على الله -تعالى-، مستمدًا منه التوفيق والعون. ولَفَت فضيلته النظرَ إلى أن الزيادة المضاعفة لقاصدي الحرمين، وتوظيف التقنيات الحديثة في تيسير أداء مناسكهم وعبادتهم؛ أظهر العديد من المسائل النازلة التي تتطلب بيان حكمها الشرعي للقاصدين والزائرين. فيما اختتم الجلسة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير بتناول موضوع أثر الجوائح في تغير الفتوى في الحرمين الشريفين وبيّن أن على المفتي أن يجيل النظر في الأوصاف الفقهية المناسبة للنازلة، وينظر في الملابسات والظروف المحيطة بها؛ لأن قوله نافذ واجتهاده ماضٍ . وأوضح فضيلته أن الأصل في الشريعة ثبات أحكامها، وأن تغيير الأحكام القطعية اللازمة يدخل في تحريف الدين والاعتداء على الشريعة، مؤكدًا على ضرورة مراعاة المقاصد في الفتوى، والمقاصد والمصالح والحِكم التي راعاها الشارع عند تشريع الأحكام . وذكر الشيخ البدير في نهاية كلمته مجموعة من التطبيقاتٍ على تغير الفتوى في الحرمين الشريفين بسبب الجوائح والأوبئة والكوارث الطبيعية؛ منها جواز التباعد بين الصفوف في الصلاة في الحرمين وعموم المساجد؛ خشية تفشي الوباء القاتل، وإلزام المحرم بلبس الكِمامات. وفرض بعض القيود على صلاة الجمعة والجماعة في الحرمين زمن الأوبئة. وفرض بعض القيود على فريضة الحج ودخول المشاعر المقدسة في زمن الأوبئة القاتلة والمعدية.
مشاركة :