وجهة نظر: الحيِّز الاقتصادي في الاقتصاد الكويتي

  • 9/3/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم استمرار الاقتصاد الكويتي، منذ الاستقلال ولغاية الآن، على مورد أحادي، تقريباً، لتوليد الدخل، أي النفط الخام، وما ساهم به هذا الاعتماد المفرط على النفط من إيجاد سلوكيات ريعية، والباحثة عن الريع، تضر بالاقتصاد وتعمِّق من آليات عمل المرض الهولندي Dutch Disease (انظر مقالنا بصحيفة الجريدة في 21 مايو 2024)، فإن الإمكانيات العديدة لإصلاح آليات عمل هذا الاقتصاد، وتنويعه واستدامته، لا يزال العديد منها متاحاً، شريطة توفير المتطلبات المسبقة، وعلى رأسها المؤسسية، وما تتضمنه من إصلاح إداري يوفر لاعبين إداريين واقتصاديين ذوي قدرات تنافسية دولية. وسوف نهتم في مقالنا هذا بواحد من أهم أشكال الحيِّز الاقتصادي المتاح، وهو المرتبط بإحلال الواردات الصناعية الاستهلاكية، حيث يلاحظ، بعد الاطلاع على آخر إصدار للدليل الصناعي، الهيئة العامة للصناعة، لسنة 2023، أن هناك، على سبيل المثال، حوالي 77 نشاطاً صناعياً تنتج المواد الغذائية، و11 المنسوجات، و6 الجلود ومنتجاتها، و28 الورق ومنتجاته، و49 المطاط، وغيرها من السلع الاستهلاكية، والوسيطة أساساً، من مجموع حوالي 770 مصنعاً (في حين يبلغ عدد الشركات الصناعية المسجلة في سوق الأوراق المالية حوالي 21 حتى أغسطس 2024). ومن جانب الواردات، تشير آخر الإحصاءات التجارية، الواردة على موقع بنك الكويت المركزي، إلى أن مجموع استيراد السلع الاستهلاكية لعام 2023، وصل إلى 5.555 مليارات دينار تقريباً. في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصناعي (القيمة المضافة) لجميع المصانع، الواردة بالدليل (الذي لا يشير إلى أرقام مبيعات المصانع) حوالي 3446.2 مليار دينار (وبأهمية نسبية من الناتج المحلي الإجمالي للكويت عام 2023 تبلغ حوالي 6.8 في المئة، مع مجموع استثمارات لهذه المصانع بلغ حوالي 1.034 مليار دينار لنفس السنة). ولو بدأنا الإحلال المكثف بالسلع الغذائية والمشروبات الاستهلاكية، فإن قيمة الإنفاق عليها بالسوق المحلي، وفق إحصاءات Euromonitor International لعام 2021، وصلت إلى حوالي 2.056 مليار دينار، منها حوالي 1.872 مليار على المنتجات الغذائية (بلغت قيمة الواردات الكويتية من السلع الغذائية حوالي 1.429 مليار دينار، والمشروبات حوالي لنفس العام، وتمثل الواردات من المنتجات الغذائية والمشروبات حوالي ربع الواردات الاستهلاكية، بنك الكويت المركزي، والإدارة المركزية للإحصاء). على أن يتبع ذلك إحلال بقية السلع الاستهلاكية فيما بعد، ومن ثم الوسيطة. وقد يتبادر إلى الذهن أن إحلال الواردات يحتاج إلى حماية، وهي السياسة التي قد لا تتسق مع سياسة تحرير التجارة الخارجية. وللرد على ذلك، هناك أكثر من حيِّز للسياسة الصناعية أمام البلدان النامية للاستفادة من أشكال الحماية الصناعية المتعددة (لفترة معينة، حتى لا تتحول أنشطة إحلال الواردات إلى أنشطة باحثة عن الريع ومحتكرة وعبء على الموازنة، وبعيدة عن التنافسية). ولا يبدو أن هذه المقالة هي المكان المناسب للخوض في تفاصيل السياسة الصناعية المطلوبة. وبالاطلاع على هياكل الحماية دولياً سيجد القارئ أن الكثير من مطالبات تحرير تجارة البلدان النامية الخارجية ما هي إلا شكل من أشكال النفاق الاقتصادي. ولا يعني ذلك، بأي حال من الأحوال، تبني الحماية من دون ضوابط تخدم مصالح هذه البلدان. كما من المهم الحد من التركز الصناعي المحلي في إنتاج السلع الاستهلاكية الغذائية. ونظراً لغياب الإحصاءات المنشورة، كما أشرنا، عن قيم مبيعات المصانع، فقد اعتمدنا على قيم رؤوس الأموال المستثمرة، الواردة بالدليل الصناعي، لبيان ما إذا كان هناك تركز صناعي في هذا النوع من الإنتاج، حيث تبيَّن أن هناك تركزاً كبيراً في أربعة أو خمسة مصانع من مجموع حوالي مجموع 72 مصنعاً للمنتجات الغذائية، ومن شأن التخفيف من درجة التركز المساهمة في المزيد من إحلال هذه السلع من خلال المزيد من النفاذ للأسواق. ما أشرنا إليه، أعلاه، شكل واحد فقط من أشكال الحيِّز الاقتصادي المتاح لمتخذي القرارات ذات العلاقة. وهناك أشكال عديدة، سواء المرتبط منها بإحلال الواردات، أو التعامل مع رأس الاستثمار المباشر، برؤية وآليات وتبادل مصالح جديدة، أو التكامل الإقليمي الاقتصادي، والاتفاقيات الثنائية الاقتصادية، والاستفادة القصوى من الاتفاقيات الاقتصادية متعددة الأطراف. ختاماً، ولأجل التأكيد، من يحكم نجاح الاستفادة من الحيِّز الاقتصادي (وبطبيعة الحال المكون المالي لهذا الحيِّز)، هو الإصلاح المؤسسي والإداري المسبق، والمتسق مع المعايير الدولية التنافسية، كما أشرنا أعلاه.

مشاركة :