عندما أنهى رجال الدين المسيحيون من 3 طوائف، السبت الماضي، تفتيش القبر المقدس (قبر السيد المسيح في كنيسة القيامة في القدس وفق المعتقدات المسيحية) للتأكد من خلوه من أي شعلة نار، قبل أن يغلق بالشمع المقدس، تقدم أديب جوده الحسيني، وهو مقدسي مسلم، ووضع ختمه الخاص على القبر، معلنا انطلاق «سبت النور»، بداية الأعياد المسيحية. وبعد لحظات قليلة فقط، توجّه الحسيني إلى بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، ثيوفيلوس الثالث، وبشره بأن تفتيش القبر انتهى بالفعل، قبل أن يذهبا معا إلى القبر، فيفتحه الحسيني ويدخل ثيوفيلوس وحده هناك من أجل الصلاة للحصول على النار المقدسة والخروج بها إلى آلاف المسيحيين من كل أصقاع الأرض، الذين لا يدركون أن شخصا مسلما هو «كلمة سر» العملية برمتها. وقال الحسيني الذي يملك مفاتيح كنيسة القيامة، لـ«الشرق الأوسط» إنه «شرف لي»، مضيفا أنه «شرف لعائلتي منذ تسلمت المفاتيح عام 1187م، وشرف لكل مسلم». وكان للكنيسة مفتاحان، تعرّض أحدهما للكسر قبل 500 عام والثاني لا يزال في جيب أديب الحسيني. ويصل طول المفتاح الذي يعد كنزا لا يقدّر بثمن إلى نحو 30 سنتيمترا، ووزنه نحو 250 غراما. وقال الحسيني «إنه أغلى ما أملك.. أمانة ثقيلة ومشرفة». ويفاخر الحسيني بأنه إلى جانب مفتاح الكنيسة والختم الخاص بالقبر، يملك أكثر من 160 «فرمانا» من سلاطين وعلماء ومسلمين يؤكدون على دور ومكانة عائلته في حماية كنيسة القيامة. وأضاف الحسيني أنه يحب وصف نفسه بـ«أمين مفاتيح الكنيسة». واكتسب أديب الحسيني هذا اللقب عن عائلته التي تسلمت المفاتيح من السلطان صلاح الدين الأيوبي. وقال: إنه «منذ سلمنا صلاح الدين المفاتيح، ونحن نحميها ونحمي الكنيسة ولا نفرط بهذا الشرف أبدا». ويسلم الحسيني مفتاح الكنيسة 3 أيام في السنة فقط، للطوائف المسيحية كعهدة مسترجعة في نفس اليوم، والذي يصادف الخميس الذي يسبق سبت النور للفرنسيسكان، والجمعة (الحزينة) للأرمن، والسبت (العظيم) للروم الأرثوذكس. أما بقية أيام السنة، فيحافظ أديب على برنامج ثابت ومحدد. إنه يحرص على أن تفتح أبواب الكنيسة يوميا تمام الرابعة صباحا وتغلق في الثامنة والنصف ليلا، إذ يقوم بالمهمة شخص آخر من عائلة نسيبة التي أوكل إليها مهمة فتح وإغلاق الأبواب، وهو أيضا مكلف باستقبال كبار الزوار إلى جانب كبار رجال الدين. ومن بين الذين استقبلهم الحسيني خلال مسيرته، البابا بولس الثاني في العام 2000. والبابا بندكت السادس في 2009. والبابا فرنسيس في 2014. والبابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 2015. وبعض السياسيين، بينهم جو بايدن نائب الرئيس الأميركي وآخرون. وتعلم الحسيني الكثير من «الحب والتآخي» أثناء عمله، وقال: إن كنيسة القيامة هي بيته الثاني، ومسقط رأس التآخي الإسلامي - المسيحي. وقال: إنه لم يواجه أبدا أي إشكالية مع الطوائف المسيحية التي تقدر وتحترم دوره، بل مشكلته كانت دائما مع الاحتلال الذي يصر على أن يتعامل معه كمشتبه به. وذكر الحسيني كيف تعمد الجنود الإسرائيليون إخراجه أحيانا من الكنيسة أثناء زيارات شخصيات مهمة بدعوى التفتيش، وكانوا أحيانا يعرضونه للتفتيش الشخصي. وعادة، تحوّل إسرائيل كنيسة القيامة في القدس المحتلة مع كل عيد مسيحي إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، وتكثف الشرطة الإسرائيلية من تواجدها على بواباتها وداخلها، وتتخذ بالعادة إجراءات أمنية مشددة تخرّب على المسيحيين بهجة عيدهم، وليس فقط على الحسيني. وكل عام، يتزامن هذا العيد مع عيد الفصح اليهودي، وهو ما يعقد أكثر من فرص تسهيل حركة المسيحيين وحصولهم على تصاريح تسمح لهم بدخول المدينة المقدسة، إذ تفرض إسرائيل، بحجة الأعياد اليهودية، إغلاقًا كاملا على الضفة وترفع من درجة التأهب في صفوف جنودها وشرطتها. ويحتفل المسيحيون نحو أسبوع كامل في عيد الفصح، ويؤدون صلوات خاصة في يوم الجمعة الذي يسبق العيد، وتسمى هذه الجمعة، بـ«الحزينة». وحسب الديانة المسيحية، فإن المسيح عليه السلام صلب وتوفي في هذا اليوم. أما يوم الأحد الذي يلي الجمعة وهو يوم العيد، فيعتقد المسيحيون أن المسيح في هذا اليوم قام من بين الأموات وصعد للسماء، ولذلك سمي «القيامة»، وهو يوم بهجة لدى المسيحيين. ومثل باقي المسيحيين، يحتفل الحسيني بالأعياد المسيحية، ويقدم التهاني لزملائه الكثر وأصدقائه ورجال الدين المقربين والبطاركة. يتفقد مفتاحه وختمه الخاص، ويواصل رعاية الكنيسة ويحضر أشقاءه وأبناءه لتسلم الأمانة.
مشاركة :