هلْ ستصدِّق إنْ قلتُ لكَ: إنَّ جميعَ مَا يظهرُ فِي وسائلِ الإعلامِ، وشبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ، والمنصَّاتِ الرقميَّةِ كالأفلامِ، أو المسلسلاتِ وغيرهَا مِن المنشوراتِ المرئيَّةِ، أو السمعيَّةِ لمْ تكنْ بمحضِ الصدفةِ، وإنَّ ظهورَهَا ليسَ عبثًا، بلْ مخطَّطًا لهُ مُسبقًا مِن قِبلِ جماعةٍ معيَّنةٍ يعملُونَ -ليلَ نهار- مِن أجلِ السيطرةِ علَى صناعةِ الرَّأيِ العامِّ لتحقيقِ أهدافٍ اقتصاديَّةٍ؟ لِنَفترَض جدلًا -عزيزِي القَارِئ- أنَّ الإجابةَ عَن السؤالِ هِي (نَعَم).إذًا هناكَ مؤامرةٌ كُبْرَى واضحةُ المعالمِ، وقَسْ علَى ذلكَ لتجدَ أنَّنا محاطُونَ بعدَّةِ مؤامراتٍ مِن حولِنَا، واتَّخذنَا مِن التَّشكيكِ طريقةً للتفكيرِ نحوَ أيِّ حدثٍ بأنَّ ثمَّةَ مؤامرةً حصلتْ هناكَ، علَى سبيلِ المثالِ نظرياتُ المؤامرةِ حولَ مثَّلثِ برمُودَا الزَّائفةِ التِي قادَهَا عدَّةُ كُتَّابٍ فِي منتصفِ القرنِ العشرِين، عندمَا نشرُوا مقالاتِهِم وأبحاثِهِم حولَ اختفاءِ السفنِ والطَّائراتِ فِي تلكَ المنطقةِ، ومعَ توالِي السِّنين ظهرتْ نظرياتُ المؤامرةِ لتفسِّرَ سببَ الاختفاءِ، فالبعضُ مِن منظِّرِي المؤامرةِ قالُوا: إنَّ مدينةَ أطلانطس المفقودةَ، هي المسؤولةُ عَن حطامِ السفنِ؛ بسببِ طاقتِهَا البلوريَّةِ التِي تتسبَّبُ فِي عطلٍ ميكانيكيٍّ للسُّفنِ، «علمًا أنَّ مدينةَ أطلانطس، هي قارَّةٌ افتراضيَّةٌ أسطوريَّةٌ، ولَا يوجدُ دليلٌ قاطعٌ علَى وجودِهَا حتَّى الآنَ»، أمَّا البعضُ الآخرُ فقالُوا السَّبب وراءَ الاختفاءِ هِي الكائناتُ الفضائيَّةُ، والقائمةُ تطولُ عَن ذِكرِ الباقِي مِن النظريَّاتِ، إلَّا أنَّها غيرُ حقيقيَّةٍ، وهِي مِن نسجِ الخيالِ! ففِي الوقتِ الحالِي لَا زالتِ الطائراتُ تحلِّقُ فوقَ مثلثِ برمودَا كمَا يشيرُ موقعُ «فلايت رادار 24»، وهناكَ دراسةٌ حديثةٌ قامتْ بدحضِ تلكَ النظريَّاتِ.يقولُ الكاتبُ (روب براذرتون) فِي كتابهِ «عقول متشكِّكة»، وهُو يصفُ العقليَّةَ المؤامراتيَّةَ: إنَّها عدسةٌ يمكنُ رؤيةُ العالمِ مِن خلالِهَا، وهِي قادرةٌ علَى تشويهِ كلِّ شيءٍ فِي مجالِ رؤيتِهَا، حتَّى ولوْ كانَ مؤتمرًا أكاديميًّا بسيطًا يمكنُ أنْ يصبحَ جزءًا من المؤامرةِ.إنَّ التفكيرَ بطريقةِ التشكيكِ والارتكازِ علَى نظريَّةِ المؤامرةِ يعتمدُ علَى التحيُّزِ التَّأكيديِّ فِي البحثِ عَن أدلَّةٍ تثبتُ صحَّةَ مَا نتوقَّعهُ؛ لتفسيرِ حدثٍ مَا، ولَا نهتمُّ بالأدلَّةِ الأُخْرى المحتملةِ للحدثِ ذاتِهِ، بمعنَى آخرَ أنَّنا نبحثُ عَن الشيءِ الذِي نتوقَّعُ العثورَ عليهِ، وللتغلُّبِ علَى هذَا التحيُّز، علينَا اتِّباعُ إستراتيجيَّةِ «التفكيرِ فِي وجهةِ النظرِ المضادَّةِ»، التي أطلقهَا (تشارلز لورد وزملاؤهُ) بعدَ دراسةٍ أجراهَا، فكانتِ النتائجُ رائعةً.أخيرًا أقولُ: ليسَ بالإمكانِ نَفيُ أو إثباتُ نظريَّةِ المؤامرةِ، ولكنْ مِن غيرِ المنطقيِّ أنْ يؤثِّرَ ذلكَ علَى تفكيرِنَا وتحليلِنَا تَّجاهَ جميعِ الأحداثِ مِن حولِنَا، ولا تكونُ المؤامرةُ هِي الشَّماعة للفشلِ. علي حسن حسون@alihassoun3
مشاركة :