شهد شهر سبتمبر في العام الماضي حدثًا زلزاليًا غير مسبوق أثار حيرة الخبراء حول العالم، حيث سجلت أجهزة قياس الزلازل اهتزازات استمرت لمدة تسعة أيام متواصلة، وما جعل العلماء في حيرة هو أن الموجات الزلزالية التي انتقلت بتردد واحد، وغطت مسافة طويلة لفترة غير اعتيادية. وبعد عام من الأبحاث المكثفة، تمكن فريق من العلماء من الكشف عن السبب وراء هذه الاهتزازات، حيث توصلوا إلى أن الهزات كانت ناجمة عن تسونامي هائل حدث نتيجة لانهيار أرضي ضخم في غرينلاند، وهو انهيار يعود بشكل رئيس لتغير المناخ، وفقًا لما نشرته صحيفة "مترو" البريطانية. وأجرى باحثون من عدة جامعات، بما في ذلك جامعة كوليدج لندن، دراسة أكدت أن قمة جبل يبلغ ارتفاعها 1.2 كيلومتر انهارت في مضيق ديكسون النائي، وهو مضيق يقع على الحدود بين كندا والولايات المتحدة في المحيط الهادئ، ولكن الانهيار لم يكن مرئيًا بالعين المجردة، لكنه تسبب في ظهور رذاذ ماء وصل ارتفاعه إلى 200 متر، وأدى إلى موجة تسونامي بلغ ارتفاعها 110 أمتار. وبحسب الحسابات التي أجراها الفريق، فإن الموجة امتدت عبر 10 كيلومترات من المضيق قبل أن تنخفض إلى 7 أمتار خلال دقائق، وتقلصت إلى بضعة سنتيمترات في الأيام التي تلت ذلك. ولإثبات استمرار هذه الحركة المائية لمدة تسعة أيام، أنشأ الباحثون نموذجًا رياضيًّا يعيد تمثيل الانهيار الأرضي والتضاريس الجغرافية الفريدة للمضيق. ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة Science، أظهر النموذج أن كتلة المياه كانت تتحرك ذهابًا وإيابًا كل 90 ثانية، وهو ما يتوافق مع تسجيلات الاهتزازات الزلزالية التي تنقلت عبر قشرة الأرض في جميع أنحاء العالم. واقترح الباحثون أن هذا الانهيار الأرضي كان نتيجة لضعف الجليد عند سفح الجبل، ما أدى إلى عدم قدرة الجبل على تحمل وجه الصخور أعلاه، مرجحين أن هذا الضعف ناجم عن التغيرات المناخية التي أدت إلى زعزعة استقرار الجليد. الدكتور ستيفن هيكس، الباحث المشارك في الدراسة من قسم علوم الأرض في جامعة كوليدج لندن، عبر عن دهشته عند مشاهدة الإشارات الزلزالية لأول مرة، مشيرًا إلى أن أجهزة قياس الزلازل تسجل عادة مجموعة متنوعة من المصادر الزلزالية، ولكن هذه المرة كانت الموجة الزلزالية طويلة الأمد وتنتقل حول العالم بتردد واحد فقط. وأوضح الدكتور هيكس أن هذا الحدث يبرز العلاقة المعقدة بين تغير المناخ في الغلاف الجوي وتداعياته على الجليد والبحار والقشرة الأرضية، كما أن هذه هي المرة الأولى التي تسجل فيها حركة المياه بشكل زلزالي عبر قشرة الأرض وتنتقل عالميًّا وتستمر لأيام. الفريق الدولي قدر أن نحو 25 مليون متر مكعب من الصخور والجليد قد اصطدمت بالمضيق في أثناء الانهيار الأرضي، وهو ما يعادل ملء 10,000 حمام سباحة أوليمبي، وقد تم التأكد من حجم التسونامي من خلال محاكاة رقمية وبيانات وصور محلية، ما جعله أحد أكبر التسونامي التي شهدها العالم في التاريخ الحديث.
مشاركة :