قبل التطرق إلى وضع معدل التضخم بدولة الكويت، من المهم الاتفاق على المفاهيم ذات العلاقة لغرض التوعية العامة. المقصود بالتضخم هو التغيّر في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (CPI)، (يقيس هذا الرقم أسعار السلع والخدمات المشتراة من القطاعات العائلية في الفترة الحالية مع الأسعار في سنة أساس سابقة، في حالة دولة الكويت تستخدم سنة 2013، منذ عام 2017). أما معدل التضخم فهو (التغير) في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، على أساس سنوي، أو نصف سنوي، أو ربع سنوي، أو شهري. ويتم التعرف على ما يستهلكه القطاع العائلي لسلّة من السلع والخدمات، من خلال مسح دوري يتضمن الكمية وسعر الوحدة من هذه السلع والخدمات. وتتضمن السلة بدولة الكويت 12 سلعة وخدمة، ومجموع أوزانها 1000، ويمثل أعلى وزن مجموعة السكن (332.12)، ثم الأغذية والمشروبات (167.06)، والكساء والأحذية (80.33)، والنقل (75.42)، وهكذا تنازليا. وبلغ معدل التضخم بدولة الكويت، على أساس سنوي، في شهر يوليو 3 بالمئة، والأغذية والمشروبات 5.89 بالمئة، والسكن 5.83، والصحة 4.07 بالمئة، علماً أن معدل التضخم لخدمة التعليم كان مرتفعاً قبل سنتين، ووصل الى 19.05 بالمئة، في يوليو 2022، بسبب آثار رفع الرسوم في التعليم الخاص. ورغم أن معدل التضخم بالعالم، والدولة، بدأ بالتراخي أخيراً، وما ترتب على ذلك من خفض لأسعار الفائدة، غير أنه تجاوز بعض السنين 5 بالمئة، فإن السؤال الذي عادة ما يثار هو: ما أهم مسبباته؟ هل هي مرتبطة بارتفاع معدل نمو العرض النقدي أكبر من نمو عرض السلع والخدمات، التفسير المرتبط بالسياسة النقدية (يقاس العرض النقدي، الأكثر استخداما، M2 بالعملة المتداولة خارج المصارف + ودائع تحت الطلب + الأصول المالية القابلة للتسييل بسهولة)، أو اراتفاع أسعار الواردات المختلفة، أو ارتفاع الإنفاق العام وما يتضمنه من ارتفاع في مخصصات الأجور (السياسة المالية)، أو أسعار الأغذية عالمياً، أو تأثير السلوك الاحتكاري للأسواق، أو انخفاض سعر صرف العملة المحلية مقارنة بعملة البلد المصدّر، أو أسباب أخرى، أو توليفة من هذه الأسباب، التي (يجب) أن تكون محل اهتمام المحللين الاقتصاديين (المحلل هنا بالمعنى الاقتصادي). لنتحقق، بشكل مختصر، عن اتجاهات أهم الأسباب المشار اليها وراء ارتفاع معدل التضخم، اعتمادا على حسابات من بيانات: بنك الكويت المركزي، والإدارة المركزية للإحصاء، ووزارة المالية. أولا، معدل نمو العرض النقدي، وبعد حساب نموه بالمقارنة مع عام 2013 ليتّسق مع سنة أساس حساب التضخم، أسعار عام 2013. وتوضح الحسابات أن معدل نمو العرض النقدي كان دائما أقل من الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، (بلغ معدل النمو الأول في يناير 2020 حوالي 26.1 بالمئة، مع رقم قياسي لأسعار المستهلكين بنحو 115.3 لنفس الفترة، مقارنة مع معدل نمو العرض النقدي في يوليو 2024 البالغ 32.9 بالمئة، مع رقم قياسي لأسعار المستهلكين بنحو 133.8 بالمئة، لنفس الفترة. وبالتالي، فإن السياسة النقدية منضبطة بقدر تعلُّق الأمر بتأثيرها على معدل التضخم. ثانيا، أسعار الواردات، المعتمدة على الرقم القياسي لأسعار الجملة من السلع المستوردة، فإن هذا الرقم كان أقل من نظيره الخاص بأسعار المستهلكين لكل الأشهر المشار اليها بالشكل (مثلا 109.3 لأسعار الواردات و115.3 بالمئة لأسعار المستهلكين، في يوليو 2020. مقابل 119.7 و133.8 بالمئة، تباعا، في يوليو 2024). ثالثا، تجاوز معدل نمو الإنفاق وما يتضمنه من ارتفاع في مخصصات الأجور، سنويا، نظيره معدل نمو التضخم، سنويا، للسنة المالية 2019/ 2020 (5.9 و1.1 بالمئة، تباعا)، وكذلك في السنة المالية 2022/ 2023 (54.7 و4 بالمئة، تباعا)، والسنة المالية 2023/ 2024 (12.6 و3.6 بالمئة، تباعا). رابعا، شهد الرقم القياسي لأسعار الأغذية الصادر من منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية (FAO)، بأسعار 2013، ارتفاعا أقل من الرقم المناظر للرقم القياسي لأسعار الأغذية والمشروبات (أحد مكونات سلّة السلع بدولة الكويت المشار اليها أعلاه)، حيث كانت قيمة الرقم الأول في يونيو 2020 حوالي 110.3 بالمئة، مقارنة مع 91.9 بالمئة للرقم العالمي. ونفس اتجاه الفارق للفترات الخمس الباقية حتى يونيو الماضي. خامسا، أما تفسير التضخم الناجم عن ممارسات احتكارية تؤثر سلبا على السعر الأقرب للسعر التنافسي (لا توجد أسعار تنافسية، عمليا، بالمعنى الذي تشير اليه النظرية الاقتصادية)، فهناك بعض الممارسات التي يجب أن تعالج، سواء في مجال الاستيراد، أو التركز الصناعي (انظر مقالنا في صحيفة الجريدة بتاريخ 3 الجاري). سادسا، بفعل السياسة النقدية الحصيفة التي يتبعها بنك الكويت المركزي في مجال استقرار سعر صرف الدينار الكويتي، نسبيا، فلا يبدو أن تقلبات هذا السعر تؤثر سلبيا جوهريا على ارتفاع قيمة الواردات بالدينار، كما هي الحال في العديد من الدول النامية الأخرى. الخلاصة، أن أسباب التضخم، رغم عدم ارتفاعه حاليا بشكل كبير، تعزى، نسبيا، الى تنامي الإنفاق العام، وبعض الممارسات البعيدة عن التنافسية، مع دور لبقية العوامل لا يبدو بتلك القوة مقارنة بهذين العاملين، وذلك في ظل الفترات المشار اليها. ومن المهم، أيضا، تقييم سلّة السلع والخدمات الحالية، وفيما إذا كانت بالفعل تعكس واقع مشتريات القطاع العائلي وأوزانها.
مشاركة :