«الحرب الإلكترونية».. أشرس معارك الألفية الثالثة

  • 5/5/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الجيوش، ومن ثم الحروب، كانت هي الميدان الأول لتطبيق التقدم في العلوم كافة، على الدوام، فتطورت الوسائل العسكرية نتيجة لتغير الزمن، والتقدم التكنولوجي، ولم تعد الحروب بين الدول مقتصرة على استخدام القوة العسكرية في الهجوم المباشر، على المواقع المادية لتدمير الحصون والجيوش المعادية. كما انعكست عملية التطور الهائلة في الوسائل حدث تطور نوعي موازٍ نتيجة لظهور شبكة الإنترنت، وتحول نظم الإدارة والصناعة والمعلومات في معظم دول العالم من النظام الورقي المكتبي الأرشيفي إلى الأنظمة المعلوماتية على شبكات الكمبيوتر، وأصبحت شبكة الإنترنت هي الميدان الرابع من ميادين الحروب بعد البر والبحر والجو، وبعدها ظهر مفهوم الهجمات الإلكترونية، ثم الحروب الإلكترونية إلى الوجود. كانت الحروب، ولا تزال، هي المجال الذي تمارس فيه الدول دبلوماسية القوة، وتعكس الصراع بين الدول على المستويات المختلفة، سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاستخباراتي، وفي الحروب الإلكترونية يدور الصراع في مجال البيانات والبرمجيات عن طريق مجموعة من المتخصصين، في هذا المجال، وذلك لتحقيق عدة أهداف أهمها الخداع وإحداث الفوضى، وتدمير وشل نظم المعلومات وتعطيل البنية التحتية للبنوك وشبكات الكهرباء والمرور، والأنظمة المالية وغيرها، وهي كلها مجالات صارت العصب الحيوي، لكل دولة على مستوى العالم، ويكون أشد خطورة في الدول المتقدمة في المجال التكنولوجي. مع ظهور ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتطور أدوات تكنولوجيا الاتصال ظهرت مرحلة أشد شراسة وأكثر تعقيداً تستخدم الشبكة العنكبوتية الإنترنت في إرسال هجمات على الدولة المعادية، تؤدي إلى خسائر اقتصادية، وكذلك خسائر في البنية التحتية، ما يعد نوعًا من استنزاف الموارد باستخدام أساليب الحرب الإلكترونية بدلًا من حروب الاستنزاف العسكرية التي اعتمدتها الجيوش، قديماً كتكتيك حربي. خطورة الحروب الإلكترونية تتبدى أكثر، إذا عرفنا أن الولايات المتحدة الأمريكية، تجري مناورة سنوية تحت اسم سيبر ستورم، لاختبار جاهزيتها لمواجهة أي هجمات إلكترونية معادية، وهي المناورة التي يشارك بها أكثر من مئة جهاز أمني أمريكي، كما أنهم عكفوا خلال السنوات القليلة الماضية على وضع وتنفيذ استراتيجية لتطوير القدرات الهجومية الأمريكية في مجال الحرب الإلكترونية، للانتقال بأمريكا من مرحلة التركيز على الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، إلى مرحلة الهجوم والمباغتة، واعتماد هذا الأسلوب، كأحد أساليب الحروب الجديدة، ولعل فضيحة وثائق بنما الأخيرة، تشي بالمدى الذي وصلت إليه الحرب الإلكترونية، وتطور القدرات الإلكترونية التي تتيح شن هجوم كاسح على أنظمة الحاسبات التابعة للدول الأخرى. وفي دولة مثل بريطانيا، يعتبر رئيس وزرائها ديفيد كاميرون، أن الهجمات الإلكترونية واحدة من أكبر أربعة تهديدات لبلاده، ومن ناحيتها قامت الصين بتخصيص قسم عسكري كامل لعمليات التجسس الإلكتروني، وأعلنت عن إنشاء الجيش الأزرق، وهي إدارة خاصة بجيش التحرير الصيني من أجل حماية الفضاء الإلكتروني الخاص بالجيش على شبكة الإنترنت والعمل على زيادة مستوى أمن شبكة القوات المسلحة الصينية، كما أن إسرائيل تمتلك برنامجًا عسكريًا سريًا استعدادًا لمواجهة أي حرب إلكترونية قد تتعرض لها شبكات معلوماتها الداخلية، ويعتبر رئيس الاستخبارات أن أي تهديد إلكتروني لإسرائيل هو تهديد لأمنها القومي، ويقول: إن الجيش الإسرائيلي أصبحت لديه الوسائل الكافية لإطلاق هجمات إلكترونية استباقية من دون أي مساعدات خارجية، ويتم تجنيد نخبة من أذكى الخريجين به، لإتقان أساليب الدفاع والهجوم الإلكتروني، وتجند إسرائيل أكثر من 3500 جندي افتراضي في الحرب الإلكترونية، ويعتبر قادتها أن إسرائيل تخوض حربًا إلكترونية، وإن لم تكن معلنة. وطبقاً لتقرير شركة مكافي المتخصصة في الأمن المعلوماتي الصادر في بداية يناير/كانون الثاني 2015، فإن عدد الهجمات الإلكترونية وصل في أواخر عام 2014 إلى 317 تهديدًا في الدقيقة الواحدة، بعد أن كانت الهجمات الإلكترونية قد ارتفعت في عام 2013 عن عام 2012 بنسبة 14%. ولاشك في أن الحرب الإلكترونية هي حروب مكتملة الأركان، لكنها من أجيال الحروب الجديدة التي ظهرت مؤخرًا وحديثًا كحروب ردع تستخدم الوسائل الإلكترونية الحديثة في توجيه ضرباتها الهجومية والدفاعية تجاه الدول المعادية، بل إن الجيوش النظامية اعتمدت أسلحة وفروعًا بها مختصة بهذا النوع من الحروب، كما أن أجهزة مختصة داخل الدول، تابعة لهيئات مختلفة باتت مختصة في التحقيقات المتعلقة بالجريمة الإلكترونية. المعلومات هي أهم أهداف الحرب الإلكترونية، ومعرفة المعلومات المشفرة أو البيانات السرية الخطرة التي تعمد كل الدول على إخفائها هو الهدف الرئيسي لهذه الحرب، ولا تقتصر هذه القرصنة الإلكترونية على المعلومة العسكرية، بل ربما اكتسبت أهمية قصوى في ظل تطور الحروب الاقتصادية والثقافية، ويكفي أن نشير إلى أن ألمانيا أعلنت في يوليو/تموز من العام 2010، أنّها واجهت عمليات تجسس شديدة التعقيد لكل من الصين وروسيا، كانت تستهدف القطاعات الصناعية، والبنى التحتية الحساسة في البلاد، ومن بينها شبكة الكهرباء التي تغذي الدولة. كذلك أوردت الحكومة الكورية الجنوبية تقريراً عن تعرضها لهجوم نفذه قراصنة كوريون شماليون بهدف سرقة خطط دفاعية سرية تتضمن معلومات عن شكل التحرّك الكوري الجنوبي والأمريكي، في حالة حصول حرب في شبه الجزيرة الكورية؛ ما أشعل الصراع عالمياً للسعي للريادة في هذا المجال. وتشير جميع المعطيات إلى نشوب حرب باردة إلكترونية بين العديد من دول العالم، أبرزها بالتأكيد الولايات المتحدة، وتعتبر الحرب التي شنتها روسيا على إستونيا في العام 2007 من أولى الحروب الإلكترونية في العالم، استخدمت فيها روسيا الهجمات الإلكترونية ضد إستونيا، ووقف القانون الدولي حائراً، هل يعتبر هذه الهجمات من ضمن الهجمات المسلحة، فيوقع عقوبات على روسيا، أم لا؟ وفي النهاية لم يتمكن من الاعتراف بها لصعوبة تحديد المصدر القائم بشن الهجمات، وما إذا كان حكومياً أو فردياً، وهو الأمر الذي أشارت إلى أهميته تقارير دولية، قالت إن العالم بحاجة إلى مليون خبير أمني، للحد من الهجمات الإلكترونية الشرسة، وقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مؤكدة معاناة الدول الكبرى جراء هذه الحرب في الفضاء المفتوح، حيث أكد أن العالم يحتاج لقوانين جديدة لوقف القرصنة الإلكترونية. والأخطر على هذا الجانب أن الحرب الإلكترونية لم تعد قصرًا على الدول، بل أصبح يشترك فيها الأفراد الذين يتقنون استخدام أدوات وتكنولوجيا الاتصال الحديثة على الصعد كافة، وتبين للدول والحكومات أن أي فريق أو تنظيم أو حركة يستطيع من خلال هجمات منسّقة، وفي آنٍ واحد، أن يُلحق أضراراً جسيمة بأي بلد يرتكز في بنيته التحتيّة على الإنترنت، حيث يمكن لأي هجوم إلكتروني من أي طرف كان، رسمي أو فردي، أن يُحدث فوضى وانهياراً في الاقتصاد، وانقطاعاً شاملاً في التيار الكهربائي، وأعطالاً في شبكات الاتصالات، ما يجعلنا نقول إن الحروب الإلكترونية هي المعارك الحقيقية في الألفية الثالثة.

مشاركة :