لم تدرك المرأة البيروفية، ايسبيرانزا هوياما، ما جرى لها إلا بعد أن استيقظت في مهجع يعجّ بأنين النساء اللاتي يستلقي كل اثنتين منهن على سرير واحد، وشاهدت الغرز في جسمها، لقد أصبحت عقيمة وغير قادرة على الإنجاب. وتحدثت عن برنامج التعقيم الجماعي المفروض على مئات الآلاف من الفقراء، وغالبيتهن من نساء السكان الأصليين في البيرو، خلال فترة حكم الرئيس اليميني المتشدد، البرتو فوجيموري، قائلة: لقد كنا نساء ريفيات بريئات، لكنهم عاملونا كالحيوانات. برنامج لتنظيم الأسرة كان البرنامج، الذي وصف في البداية بأنه من أجل تنظيم الأسرة ولتخفيض نسبة الفقر، معروفاً عالمياً. وساعدت الأمم المتحدة على تمويله، في حين أن ادارة الرئيس الاميركي، بيل كلينتون، قدمت 35 مليون دولار للبرنامج عبر منظمة يو إس أيد، وهي منظمة مقرها واشنطن للمساعدات الدولية. ولكن ظهرت الشكاوى من البرنامج عام 1997 عند ظهور تقارير تفيد بأن المرضى الذين كانوا عادة من الفقراء، وغالباً من نساء السكان الأصليين في المناطق الجبلية والأمازون، ويتمتعن بنسب قليلة من التعليم، كن يتعرّضن للخداع لإجبارهن على قبول الإجراء، الذي لم يخترنه بحريتهن. وبعد أمد قصير تعالى صدى الاتهامات، وتحولت إلى صرخة غضب قوية. ويخضع فوجيموري حالياً لعقوبة السجن لمدة 25 عاماً، بعد إدانته باختلاس أموال حكومية، واستخدام فرق الموت ضد خصومه السياسيين، وتقديم الرشى بصورة منهجية للصحافيين الفاسدين بهدف تلطيخ سمعة خصومه. ولكن ثمة جريمة لم يخضع للمحاكمة بشأنها فوجيموري أو أي شخص آخر من مرتكبيها، والتي تتمثل في إجبار النساء الفقيرات على التعقيم، في حملة تم الكشف عنها في عام 1995 في منتصف فترة حكم فوجيموري التي استمرت 10 سنوات. والآن، وبعد عقدين من الزمن، يبدو أن ضحايا التعقيم القسري لديهن أفضل فرصة لإنصافهن عما حدث لهن، والذي وصفه ناشطو حقوق الانسان بأنه أحد أكبر برامج التعقيم منذ فترة النازية. وبحث المدّعون العامون في نحو 2000 قضية في هذا الشأن. وأنشأت حكومة يسار الوسط برئاسة الرئيس أولانتا هومالا سجلاً رسمياً للضحايا قبل نحو أربعة أشهر. وكان الطريق للوصول إلى هذه اللحظة طويلاً وملتوياً، اذ تم تأجيل ثلاث محاكمات جنائية تتعلق بقضايا التعقيم الإجباري. ولكن عمليات البحث الحالية كانت وراءها ضغوط دولية، إذ إنها بدأت بعد قيام مجموعات حقوق الانسان بالضغط على دولة البيرو، قبل أن تحث لجنة حقوق الانسان في الدول الأميركية إدارة الرئيس هومالا على الموافقة في شهر أكتوبر الماضي على إعادة فتح التحقيق في قضية التعقيم. وحسب منظمة حقوق الانسان الرسمية في البيرو ذي ديفنسوريا ديل بيبلو فإن ثمة 272 ألف شخص بمن فيهم 20 ألف رجل تم تعقيمهم قسرياً خلال حكم فوجيموري. ويقول بعض ناشطي حقوق الانسان إن الرقم يمكن أن يكون أكبر من ذلك. وتقول مديرة منظمة العفو الدولية في البيرو، مارينا نافارو مانغادو: يبدو أن هناك الكثيرين، إذ إن العديد من النساء غير قادرات على التحدث مع المحققين، وهنّ يعشن في مناطق نائية، ولا يستطعن الوصول إلى العواصم المحلية. وليس من المعروف تعداد الأشخاص الذين أجبروا على الخضوع لعمليات التعقيم، ولكن الشهادة التي قدمها الآلاف من الضحايا توحي بأن الرقم كبير جداً. وتدعم منظمة العفو الدولية مطالب النساء، بما فيها الحصول على تعويض ورعاية بالنظر إلى الأضرار الجسدية والنفسية التي تكبّدنها خلال تعرضهن للتعقيم، وصدرت قوانين من وزارة الصحة تضمن بألّا يتم تكرار هذا النوع من الإساءة للنساء، اضافة إلى المحاكمة الجنائية للمسؤولين عن القيام بها. وفي اليوم الذي جرت فيه عملية تعقيم هوياما عام 1996، ظهر عامل رعاية صحية حكومي على دراجة نارية بصورة مفاجئة في قرية روديوباما النائية الواقعة في شمال جبال البيرو، حيث تعيش هوياما هناك مع زوجها وأبنائها البالغين، وعددهم سبعة في مزرعتهم الصغيرة، ويعملون في زراعة كميات صغيرة من الحنطة، والذرة، والبطاطا، ويربون بعض الحيوانات والدواجن. وأبلغ عامل الصحة هوياما أنه عليها الذهاب إلى العاصمة المحلية المعروفة باسم هونكاباما من أجل الفحص والدواء والطعام المجاني. وتقول هوياما، التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، إنها فعلت ما أبلغت به وانطلقت عند الفجر في اليوم التالي في رحلة بالحافلة لمدة ثلاث ساعات كي تصل إلى المدينة المنشودة. ولكنها عندما دخلت إلى العيادة، تقول هوياما اندفعت نحوها الممرضات وأخذنها بسرعة نحو غرفة العمليات، وقلن لها بسرعة يا هوياما. وقام أحد الأطباء بتخديرها بصورة شاملة، وان لم يكن ذلك كافياً لجعلها تفقد الوعي. وتتذكر هوياما البالغة من العمر حالياً 59 عاماً، قائلة لم يكن المخدر كافياً لأفقد الوعي، اذ إنني كنت أشعر بهم وهم يقطعون شيئاً في جسمي، على الرغم من أن عينيّ كانتا مغمضتين، وتقول إن الأطباء كانوا قد غادروا العيادة عندما تخلصت من المخدر. واضافت كان الألم فظيعاً، ووصفت كيف أنه تم تخريجها من المستشفى بعد مرور ساعة من تخلصها من المخدر، وأنها ركبت الحافلة عائدة إلى منزلها. وكان بعض المرضى قد عادوا إلى قراهم مشياً على الأقدام، حيث كانوا يتنقلون بتثاقل على الممرات الجبلية الشاهقة الانحدار خلال الليل القاتم، بعد ساعات قليلة من إجراء الجراحة لهم. وتقول هوياما إنها كانت في الشهر الثالث من حملها في الوقت الذي أجريت لها عملية التعقيم، وبعد أشهر على العملية ولد الجنين ميتاً. وهي تقود الان مجموعة من 240 امرأة من منطقتها النائية واللاتي يقلن أيضاً إنهن تعرضن لعمليات تعقيم قسري. وبات السؤال الملحّ حالياً ما اذا يتعين على المدعين العامين أن يقرروا بأن إجبار النساء على الخضوع لعملية التعقيم يعتبر جزءاً من سياسة الدولة الرسمية، وبناء عليه هل من الممكن توجيه الاتهام لفوجيموري أو لأي من وزرائه. وهناك الكثير من الأدلة على أن كثيراً من المرضى لم يتم شفاؤهم بصورة شاملة، وهوياما كانت واحدة من هؤلاء، اذ إنها ظلت تشكو من الألم في معدتها وساقيها، وصعوبة في المشي، الأمر الذي منعها من العمل في الحقول. وهي تقول لم أستطع العمل مرة أخرى في الحقل بسبب الالام التي لاتزال موجودة في جسمي. وقد أبلغوني بعد العملية بأن آخذ بعض الحبات التي تخفف الألم، ولكنها لم تقدم أي فائدة.
مشاركة :