يقول الفيلسوف والكاتب العظيم د. مصطفى محمود: «المرأة كتاب.. عليك أن تقرأه بعقلك أولا وتتصفحه دون النظر إلى غلافه.. قبل أن تحكم على مضمونه»! ما أجمل ما تحمله المرأة من مكنون ومضمون حين تتجه إلى الكتابة، بعد أن تكتشف شغفها بهذا المجال، وتختار أن تشق طريقها فيه نحو الإبداع لتسطر ملكتها بين الكلمات والحروف، فتبهر العقل وتأسر القلب. هذا ما كشفت عنه بحق تجربة تلك المرأة المتألقة، التي سطع نجمها في سماء الأدب البحريني، وتركت بصمتها الخاصة عبر مشوارها الثري بالإنجازات والإصدارات والإسهامات المبدعة العذبة التي يشار إليها بالبنان لتفوقها في هذا المجال الساحر. د. مي يوسف السادة أستاذ مساعد في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة البحرين، عضو أسرة الأدباء والكتاب ومختبر سرديات البحرين والمركز المتوسطي للدراسات والأبحاث في المغرب، حاصلة على أول رسالتين من نوعهما للماجستير والدكتوراه عن السرد العجائبي في الرواية الخليجية والسيمائيات السردية، صاحبة عدد من الإصدارات الأدبية والأبحاث التي أثرت بها عالم الأدب، اكتشفت مؤخرا أن الطريق إلى العلم يبدأ بعد الدكتوراه، فقررت أن تواصل المسيرة لتضيف إلى رصيدها الحافل بالنجاحات ولا يزال في جعبتها الكثير. حول هذه التجربة المبدعة كان الحوار التالي: كيف أثرت نشأتك على مسيرتك؟ من المؤكد أن نشأتي أثرت كثيرا على مسيرتي، فقد كنت طفلة تتميز بشغف العلم والقراءة بشدة، وكان ذلك دافعا كبيرا نحو التعمق في عالم الأدب، وإلى جانب ذلك كنت متفوقة في الدراسة، وهذا ما دفع والدي إلى تشجيعي وتغذية هذا الشغف لدي، فكان يحرص على أن يجلب لي قصص ومجلات الأطفال، وكذلك الصحف التي كنت اطلع عليها بصفة مستمرة، وقد قررت دراسة اللغة العربية في مرحلة الجامعة كتخصص رئيسي، والأدب الإنجليزي كتخصص فرعي، وأذكر أن أستاذي الجامعي الجزائري كان يشدد علي دوما أن أصبح بصمته في البحرين، وطلب مني أن أحل محله في مكتبه بعد مغادرته البلاد، وقد حققت له ذلك، حتى أنه أهداني مكتبته قبل سفره. وبعد التخرج؟ بعد التخرج في جامعة البحرين، تزوجت وأنجبت، وهنا قررت أن أتفرغ لرعاية أسرتي وتربية أبنائي الثلاثة، وذلك مدة عشر سنوات، أجلت خلالها تحقيق طموحي العملي والعلمي، وحين التحق أصغر أبنائي بالروضة، قررت استئناف المسيرة ومواصلة المشوار، فحصلت على رسالة الماجستير بعد هذا الانقطاع الطويل بامتياز مع مرتبة الشرف، وتم تعييني بالجامعة مساعد بحث وتدريس وكانت عن سرديات الرواية الخليجية وتعتبر الدراسة النقدية الأولى من نوعها التي تهتم بهذا الجانب في منطقة الخليج، وتم تحويلها إلى إصدار بعنوان السرد العجائبي في الرواية الخليجية بمساعدة هيئة الثقافة آنذاك، وتم تدشينه في معرض الكتاب عام 2014، واستغرق ذلك مني خمس سنوات وهي مدة أطول من المطلوب وذلك بسبب اندلاع أحداث عام 2011 في المملكة، ثم واصلت الرحلة العلمية للحصول على رسالة الدكتوراه، علما بأن أول محاولة أدبية لي كانت عبارة عن كتابات نقدية تحت إشراف أستاذي الجزائري بالجامعة. ما موضوع رسالة الدكتوراه؟ لقد اخترت موضوع رسالة الدكتوراه عن السيمائيات السردية وهي الأولى من نوعها أيضا في المملكة، وتم انجازها في دولة المغرب العربي بجامعة الملك محمد الخامس بمدينة الرباط، وهو علم يتطرق إلى كيفية التعامل مع النص الروائي على أساس أنه علامة ويضم الكثير من العلامات التي يسعي الناقد إلى اصطيادها، وركزت فيها على روايات بحرينية وخليجية لكبار الأدباء باستخدام المنهج السيميائي الذي يهتم بعلم العلامة، وتبنت هيئة الثقافة أيضا الرسالة وحولتها إلى كتاب عام 2022 تحت عنوان «سيمياء التأويل في الرواية الخليجية». أسلوب أدبي تأثرت به؟ يمكن القول إنه أثناء دراستي للدكتوراه التي أنهيتها بامتياز أنني تأثرت كثيرا بالأدب المغربي الذي بدوره تأثر بالأدب الفرنسي الذي يتمتع بأسلوب خاص ولغة مميزة، ووجدت نفسي تلقائيا أسير على نفس المدرسة الأدبية، ثم أصدرت كتابي «البوكر في ميزان النقد» بعدها بعام تقريبا، وانبثقت تجربته من الروايات التي حصلت على جائزة البوكر، وتم تدشينه كذلك من خلال هيئة الثقافة. الإصدار القادم؟ بالنسبة إلى إصداري القادم فهو تحت الطبع حاليا ويحمل اسم الهويات، وهو يتناول روايات الأديب الراحل فريد رمضان، الذي كان من أهم من تناولوا قضية الهوية في المجتمع البحريني. هل ترين أن هناك خطرا على الهوية البحرينية؟ نعم هناك خطر على الهوية العربية بشكل عام، وليس على صعيد البحرين فقط، لذلك ينبغي علينا أن نغرس في نفوس الأجيال الجديدة أهمية لغتنا العربية وثقافتنا الأصيلة بشكل عام، وهي مسؤولية مشتركة لعدة أطراف حيث يأتي الآباء في المقدمة، بهدف التصدي للغزو الثقافي والفكري الرهيب الذي يتهدد أبناء الجيل الجديد، فضلا عن قضية أخرى مهمة تتعلق بهذا الجيل علينا التركيز عليها كذلك وهي ترتبط بضعف اهتماماته الأدبية بشكل كبير، ورغم ذلك هناك بحوث طلابية متميزة في هذا المجال أتخذ منها نماذج عند التدريس أحيانا كثيرة. التحدي الأهم الذي واجهك؟ من أهم التحديات التي واجهتني هو تأدية رسالة الأمومة على الوجه المطلوب والذي أتمناه واطمح إليه، وخاصة أنني على قناعة بأنها لا بد وأن تحتل الصدارة في سلم أولويات أي أم، وبالطبع عشت صراعا كبيرا للتوفيق بين دوري كزوجة وأم وبين طموحي العلمي والعملي، الأمر الذي أوقعني تحت ضغوط نفسية وصحية صعبة أثناء مرحلة دراسة رسالة الدكتوراه على وجه الخصوص، ولكني اجتزت ذلك بسلام وتعلمت هنا درسا مهما. وما هو ذلك الدرس؟ لقد تأكدت من مقولة استاذي الجزائري بأن رحلة العلم تبدأ بعد الدكتوراه، وهذا ما آمنت به عمليا ومن خلال تجربتي الشخصية، ورغم صعوبة مرحلة الغربة واعتمادي على نفسي في كل شيء وأي خطوة، وخاصة أن معظم المراجع كانت باللغة الفرنسية، فإنني أيقنت أن العلم متعة لا تنتهي بالنسبة إليّ، حتى أن أبنائي أطلقوا عليّ «مدمنة للعلم»، ولا يزال في جعبتي الكثير من الطموحات العلمية أو العملية أتمنى أن ترى النور في المستقبل. بحثك التالي؟ البحث القادم لي بعنوان «التبئير»، وأتناول فيه صوت الراوي السردي، علما بأن الوصول إلى منصب أستاذ مشارك يتطلب مني إصدار أربعة بحوث إلى جانب انجاز العديد من الانشطة الثقافية والاجتماعية والجامعية. أهم إنجازاتك التطوعية؟ هناك العديد من الإنجازات التي سعدت بتحقيقها على صعيد العمل الخيري منها بعض المساهمات لصالح مركز الرحمة للأطفال من ذوي الهمم، وكذلك لدي ملتقي الشعر الخليجي الثاني عشر بالتعاون مع جامعة البحرين، كما شاركت في مراسم تكريم دكتور إبراهيم غلوم -رحمه الله- الذي أدين له بالكثير عبر مشواري، فقد كان دوما داعما ومساندا لي في كل خطواتي، من خلال إصدار كتاب عنه بمشاركة نخبة من الكتاب والنقاد العرب يستعرض مسيرته وسيرته، إلى جانب عدد من البحوث المهداة إلى روحه. طموحك الحالي؟ بالنسبة إلى طموحي الحالي فهو تحقيق أمنية الوصول إلى منصب أستاذ مشارك، وهو ما يتطلب إصدار مجموعة من الأبحاث العلمية، وحتى الآن صدر لي بحث عن شعر العظيم علي الشرقاوي، وتم نشره في مجلة العلوم الإنسانية في دولة الجزائر، وبحث آخر عن النسق المضمر، الذي يتفرع من النقد الثقافي، حيث طبقت فيه رواية بحرينية اسمها «أعماق الليل» للروائي البحريني جابر خمدن، وسوف ينشر في مجلة سرديات التابعة للمؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا بدولة قطر. الحلم القادم؟ كم أنا سعيدة بالتكريم الذي حصلت عليه مؤخرا من قبل أسرة الأدباء والكتاب بالبحرين من بين 15 أديبة مميزة، وذلك بمناسبة يوم المرأة البحرينية، الذي اعتبره تتويجا لمسيرتي الأدبية، وبالنسبة إلى حلمي الكبير فهو أن أحصل على درجة بروفيسور، إلى جانب إنجاز المزيد من الأعمال التطوعية، وإثراء مسيرة عملي الخيري التي بدأت منذ زمن طويل.
مشاركة :