المراجعة السريعة والفاحصة للحروب العربية الصهيونية السابقة تزودنا بحقائق ومعلومات متناقضة، فالإمكانات العربية وقدراتها وتنوع جيوشها وجبهاتها، تنم عن تفوق عسكري كبير للجيوش العربية على جيش الكيان الصهيوني، وهو تفوق بشري وتفوق بالسلاح، وتعدد للعمق الجغرافي والجبهات وهو ما يسمح بالمناورة وتقليل الأضرار، خصوصاً أن مواجهة كل دولة عربية للعدو الصهيوني من جبهة مختلفة وواحدة، خلافاً لحال الكيان الصهيوني الذي إمكاناته البشرية ومعداته العسكرية رغم حداثتها لا تشكل تفوقا مؤكداً، بل إنه كيان محاصر من عدة جبهات وجهوده مستنزفة في كل الجبهات. تلك الحقائق الموجزة تعني أن للجيوش العربية ميزة التفوق والقدرة على المناورة وحسم الحروب لمصلحتها، وعلى الرغم من ذلك فالحقائق على الأرض جاءت مناقضة لكل ذلك، حيث هزمت الجيوش العربية وانتصرت جيوش الكيان الغاصب في حروب 1956 و1967، بل حتى في المناوشات والاشتباكات والحروب المتفرقة... فما السر وراء ذلك؟ وما سبب هذا الوضع المناقض للحقائق؟ في كل مواجهة تتم، نجد أن الصفعة على الجيوش العربية تكون هي النتيجة، ولا يمكن أن يكون ذلك مبنياً على القدرات والإمكانات الذاتية للعدو الصهيوني، نعم هو يستمد قوة هائلة من المساندة والدعم المباشر الأميركي، وتأمين احتياجاته من الإمدادات، فضلاً عن الغطاء السياسي والعسكري! لكن ذلك وحده لا يمكن أن يمنح هذا الكيان الصهيوني التفوق الذي شهدناه في الواقع! نعم للعدو الصهيوني نظام استخبارات وقدرات استخباراتية هائلة بالإضافة إلى أن التفوق اليوم في الطائرات الشبحية والاستطلاع يمثل معضلة على الجيوش العربية سد الثغرة فيها، كما سدتها في حرب 73 بصواريخ سام! لكن ذلك لا يمنح لهذا الكيان الصهيوني التفوق المطلوب! إذاً أين يكمن سر التفوق؟ أظن، وعلى الأرجح هذا الظن يمثل الحقيقة، أن الخيانة والتآمر سبب تفوقه أو انتصاراته! فقد تم فعلاً اختراق جبهاتنا العربية! من خلال الاسترضاء المبكر للعدو من قبل شخصيات بل وفصائل محددة وأحياناً من أنظمة معينة أو جزء من تلك الأنظمة! ويضاف إلى ذلك الخيانات المفاجئة التي تتم حينما يحمى الوطيس، خوفاً أو طمعاً أو تراجعاً مريباً أو ترتيباً وتآمراً! فقدرات العدو الصهيوني الذاتية حتى مع الدعم الأميركي والغربي، لا تكفي لمنحه التفوق والانتصار، وإنما الخيانة والتآمر! وكذلك التفكك والتناحر الداخلي بين الدول العربية! إن العالم العربي والإسلامي بحاجة عاجلة إلى عملية «قلب مفتوح»، يتم من خلالها تنقية القلوب ونواياها من التخاذل والتآمر والخيانة، عملية عاجلة لاستئصال هذا الورم الخبيث الذي مزق الدول العربية والإسلامية ليتم إعادة ترميم كيانها الوحدوي بمواجهة خطر صهيوني استعماري خبيث! ولن ينجح التصدي له إلا بتنقية القلوب بجراحة قلب مفتوح ناجعة! فالعدو ماضٍ لتوسع وتمدد مخيف وخطير، وشره مستطير ولن يستثني أحداً، بل كل دلائل ومؤشرات الترتيبات والتصريحات تقول إن دولاً عربية ستختفي واحدة تلو الأخرى! فعدونا مُصر على حلمه من النيل إلى الفرات وفقاً لبروتوكولاتهم! فإمكانات التفوق والانتصار متوافرة لنا، إن تم بهذه المرحلة تحوّل استراتيجي عربي إسلامي لحفظ تماسك المنطقة العربية والإسلامية وتقوية أواصرها، لتعمل لهدف واحد وبتوجه واحد هو إقامة الدولة الفلسطينية، وإرغام الصهاينة على اللهاث وراء الهدنات والسلام وربما الاستسلام! وحينها، وحينها فقط ستتغير المعادلة بتلاحم الصفوف والقضاء على الخيانات ومواجهة التآمر وتفكيك بؤره ومساراته! قد يبدو ذلك للبعض ضرباً من الخيال والمستحيل، وأظنه حقيقة ممكنة، بنا أو بغيرنا من الأجيال، وحينها تندثر وتزول الصفقات، ولا يمكن أن تحدث الصفعات، وتنقلب الأحوال رأساً على عقب! وهو عمل يحتاج إلى مبادرة وفهمه ودراسته وتبنيه من مجلس التعاون الخليجي بداية بعمل بنيوي وجبهوي لتغيير وضع المنطقة خلال السنوات العشر القادمة! فدوام الحال من المحال والتغيير قادم لاشك، وإن غداً لناظره قريب!
مشاركة :