المكلا تتنفس الصعداء.. وتفلت من قبضة «القاعدة»

  • 5/5/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بدأت مدينة المكلا، جنوب شرقي اليمن، تستعيد نمط الحياة الطبيعية بعدما طردت القوات الحكومية، مدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، عناصر تنظيم القاعدة الذين سيطروا عليها زهاء عام عاش خلاله السكان في ظل الخوف وقيود اجتماعية متشددة. ولا تزال شوارع المدينة الساحلية التي يقطنها قرابة مائتي ألف نسمة، وهي مركز محافظة حضرموت، تضم شواهد على القوانين التي فرضها التنظيم والشعارات التي رفعها وأرغم السكان على الالتزام بها. وسيطر التنظيم على المدينة ومناطق أخرى في ساحل حضرموت مطلع أبريل (نيسان) 2015. ومنذ 24 أبريل الماضي، خلت المكلا والمناطق المجاورة من أي وجود علني لهم بعد عملية واسعة للقوات الحكومية شاركت فيها قوات خاصة سعودية وإماراتية منضوية في التحالف الذي تقوده الرياض منذ مارس (آذار) 2015، دعما للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ضد الميليشيات الانقلابية، من الحوثيين وحلفائهم من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح. ويقول مجاهد الحيقي (22 عاما)، وهو أحد سكان وسط المكلا، عن الفترة التي سيطرت فيها «القاعدة»: «كان عاما عشنا فيه الخوف والرعب». ويوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أنه إضافة إلى الخوف من الاعتقال والدمار الناتج عن الحرب «كان خوفنا أيضًا من استقطاب أبناء حارتنا لتجنيدهم إلى صفوفه، والتأثير عليهم داخل المساجد». وتشير لميس الحامدي، من سكان المكلا، إلى أن عناصر تنظيم القاعدة «قاموا بالتضييق على الحريات.. وضيقوا الخناق من خلال الاعتقالات ومضايقة النساء في الشوارع». وفرضت عناصر التنظيم على النساء «ارتداء الزي الشرعي، ووزعوا منشورات في الطرق تحدد هذا الزي، وتم إلزام جميع متاجر الملابس بالتعليمات الشرعية»، خصوصا لجهة بيع العباءات والرداء الطويل. ولا تزال في المدينة شعارات رفعها التنظيم الإرهابي، منها «صوني أيتها المؤمنة الشريفة جسمك الطاهر من اعتداء الأعين الباغية وحصّنيه بالاحتشام». وقد فرض عناصر «القاعدة» هذه القواعد بالقوة والترهيب. ففي مطلع يناير (كانون الثاني)، أقدم مسلحون من التنظيم على رجم امرأة حتى الموت بتهمة الزنى والقوادة في المكلا. وفي أغسطس (آب)، قاموا بجلد عشرة رجال بتهمة الكفر وشرب الكحول وتعاطي المخدرات في بلدة الشحر (القريبة من المكلا)، التي كانت أيضًا تحت سيطرتهم. كما حظر التنظيم نبتة القات المخدرة في المكلا، ودمر مزارات وأضرحة إسلامية قديمة، مما أثار غضب السكان. وترى الحامدي أن هذه الأعمال، لا سيما منها الإعدامات، كانت تهدف إلى «بث الرعب والخوف في المجتمع»، وأن كثيرا من السكان اضطروا للقبول بالأمر الواقع «خوفا من الاعتقال». وبحسب روايات الشهود، كانت عمليات الاعتقال تتم في الشارع من دون أي مسوغ، وغالبا ما أوقف رجال لمجرد رؤيتهم برفقة امرأة. ويقول صالح نصر: «كانوا يقومون باعتقال الشخص لمجرد أنه يسير مع امرأة»، قبل أن يتبين لهم أحيانا أنها «شقيقته أو زوجته أو قريبة له»، كذلك منعوا المظاهر الاحتفالية، خصوصا الموسيقى والأفلام. وتقول علوية السقاف: «بلغ حجم تضييق الخناق الذي فرضته القاعدة على أهالي المكلا حد منع الأغاني في الأعراس والمناسبات، فقد أصدروا تعميما على صالات الأفراح بمنع الأغاني ومنع الرقصات الشعبية للرجال». ويؤكد عيسى غالب، الذي يملك مقهى للإنترنت، أن عناصر «القاعدة» طلبوا منه «مسح جميع الأفلام والأغاني من الأجهزة كي لا تكون في متناول الزبون، واستبدلوها بأشرطة عن عملياتهم العسكرية والجماعات المتطرفة الأخرى في أفغانستان والعراق وسوريا». ويعتبر تنظيم القاعدة في اليمن أقوى فروع القاعدة عالميا، وهو متجذر منذ أعوام في اليمن، ويتعرض منذ سنوات لغارات أميركية تنفذها طائرات من دون طيار تستهدف قيادييه وعناصره. واستفاد تنظيمي «القاعدة» و«داعش» من النزاع بين الحكومة اليمنية والمتمردين لتعزيز نفوذهم في جنوب البلاد. وعلى رغم التضييق الذي فرضه التنظيم على السكان، إلا أن كثيرا منهم يقولون إنهم أمّنوا استمرار الخدمات العامة كالماء والكهرباء. وبرر التنظيم، في بيان مؤرخ بـ25 أبريل، انسحابه من المكلا وساحل حضرموت بسعيه لتجنيب المناطق الدمار، قائلا: «إننا لم ننسحب إلا تفويتا للفرصة على العدو في نقل المعركة إلى بيوتكم وأسواقكم وطرقكم ومساجدكم.. آثرنا أن نحارب عدونا كما نحن لا كما يريد هو». واعتبر التنظيم أن الناس في ظل سيطرته على المكلا وساحل حضرموت رأوا «سماحة الإسلام وعدل الشريعة.. وازدهرت الحركة الاقتصادية، وفتحت أبواب الخير، وبدأت عجلة التنمية تدور بشكل لم يسبق له مثيل»، متوجها لسكان المكلا بالقول: «لن نتخلى عنكم وعن نصرتكم». ويقر الطالب عبد الجبار باجبير، الذي يقطن بلدة الشحر (شرق المكلا)، بأن «عناصر القاعدة كانوا يقومون بتقديم خدمات للسكان، والاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، وهم نجحوا في ذلك»، مضيفا: «لكننا كنا نخاف من تبعات مشروعهم وفكرهم الضال».

مشاركة :