بعد قدوم الخميني إلى طهران عام 1979 برعاية غربية، انشغلت طهران باستراتيجية الدفاع المتقدم لحماية الداخل الإيراني، والدفاع عن إيران أثناء حربها مع العراق حتى 1988، رغم ذلك أشرف قائد فيلق القدس قاسم سليماني على تشكيل وكلاء في المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان وصولا إلى اليمن باعتباره درع واقي للأمن القومي الإيراني عن بعد، وفي نفس الوقت خلق ستار ضبابي للسلوك الإيراني الهادف إلى تحقيق نفوذ إقليمي لمحاصرة السعودية الهدف الأكبر لهم في العقيدة الخمينية الفارسية المستقدمة لزرع نزاع طائفي لم يكن موجود من قبل حيث كانت جميع الطوائف متعايشة وبشكل خاص بين السنة والشيعة. استثمرت طهران احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وثورات الربيع العربي 2011 نتج عنها تضخم قوة إيران، وزاد نفوذها وتدخلها مستثمرة انهيار دول عربية، لكن السعودية منعتها من ضم البحرين وأي منطقها تقع ضمن حدود منطقة الخليج، في المقابل استثمرت إيران انشغال السعودية بإنقاذ مصر عام 2013 من تيار الإخوان المدعوم أوباميا بعقد مفاوضات نووية بين عامي 2013 و 2015، وتوصلت في 2 أبريل 2015 في لوزان السويسرية مع الدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات، أدركت السعودية فورا أن الاتفاق كان على حسابها وترك النفوذ الإيراني يهدد أمنها وبشكل خاص في اليمن، فقررت السعودية القيام بعاصفة الحزم ضمن تحالف عربي إسلامي عملية انطلقت في 26 مارس 2015 ضد أهداف جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح باليمن. شعرت أمريكا بعد مجيء ترمب للبيت البيض أن العلاقة الاستراتيجية مع السعودية مهددة بالترنح، وأن السعودية قادرة على تحجيم الهيمنة الأمريكية في المنطقة بتمكين الصين الذي تزاحم الهيمنة الأمريكية اقتصاديا، فجعل أول زيارة له للرياض، وطالب قادة العرب والمسلمين بدعم الحرب على التطرف، وانسحب من الاتفاق النووي بشكل آحادي، وفرض عقوبات مشددة على إيران أتبع هذه الاجراءات بقتل قاسم سليماني في يناير 2020 المسؤول عن وكلاء إيران في الخارج شكل صدمة لدى إيران لكنها غير قادرة على الرد بسبب انها تقع تحت طائلة العقوبات الشديدة جدا التي فرضها ترمب. منذ مجئ بايدن للبيت الأبيض حاول إعادة السعودية إلى بيت الطاعة للبيت الأبيض، لكنه وجد أن السعودية قد تمردت على البيت الأبيض، ورفضت الانصياع لبايدن، وبشكل خاص رفضت السعودية تسيس ملف النفط كما يطالب بايدن، عندها تراجع بايدن عن موقفه المتصلب، وزار بايدن السعودية في يوليو 2022 لإعادة ضبط العلاقات مع السعودية وليس تدميرها. في المقابل بحثت السعودية عن تهدئة مع إيران حتى لا تستمر أمريكا في اللعب على الصراع بين الجارين، توجت برعاية بكين في مارس 2023، أربكت الخطط الأمريكية في المنطقة، فسعى بايدن والأمير محمد بن سلمان إلى الإعلان عن مشروع الممر الهندي المار بالسعودية إلى أوروبا على هامش قمة العشرين في دلهي في أكتوبر 2023، سيصبح هذا الممر أساس التجارة العالمية لمئات السنين القادمة كما صرحت الهند، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت أوروبا في أمس الحاجة للطاقة الخليجية، وفي نفس الوقت من شانه تعزيز المصالح الأمريكية في مواجهة الصين، خصوصا بعدما واجهت مبادرة الحزام والطريق انتقادات منها أهدافها الأساسية اكتساب النفوذ الاستراتيجي من خلال المشاركة في التنمية وافتقارها إلى الرقابة المالية السليمة، وإن كانت الصين تتمتع بالسبق مدة 10 سنوات في مبادرة الحزام والطريق، إذ تجاوز إجمالي الاستثمارات في إطار المبادرة تريليون دولار حتى يوليو 2023. بالطبع الممر الهندي المرتبط بدول الخليج وإسرائيل ثم أوروبا لن تقبل السعودية تحقيق هذا المشروع بمروره بإسرائيل إذا لم تحقق الدولة الفلسطينية المستقلة، وكانت هناك مفاوضات في 2023 شاملة بين السعودية وأمريكا وإسرائيل، لكن كان طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هدفه وقف هذا المشروع، فبدأت المواجهة بين إسرائيل والغرب من جانب، وإيران وأذرعها من جانب، فيما وقفت السعودية على الحياد. أخطأت إيران في قراءتها للمشهد الجيوسياسي على عكس قراءة السعودية للمشهد جعلها تقف على الحياد بين الجانبين لكنها طالبت في نفس الوقت بوقف فوري للنار في غزة، وعقدت مؤتمرين عربي وإسلامي وشكلت لجنة برئاسة السعودية جابت العالم للحصول على موافقة 147 دولة على إقامة دولة فلسطينية. أي أن السعودية اهتمت باليوم التالي للمنطقة وليس فقط لفلسطين، بينما عمدت إيران عبر وكيلها الأهم حزب الله إلى فتح جبهة لبنان كجبهة إسناد تسمح بتثبيت كثير من القوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية هدفا استراتيجيا لحزب الله، لم يدرك حزب الله أن لدى إسرائيل معرفة واسعة بمواقع حزب الله، وتحركات قياداته منذ مشاركته في سوريا عام 2013، حتى أصبح لدى إسرائيل بنك معلومات وأهداف مكنها من استهداف القيادات الميدانية بأعداد كبيرة بعدما حيدت قيادات حماس في غزة وروضت إيران بجانب إرسال أمريكا حاملة طائرات إلى المنطقة وبوارج لردع إيران في أي مشاركة محتملة. هذه الإجراءات والدعم الدولي لإسرائيل ساعدها في التحضير للانتقال إلى استئصال قوة حزب الله، وقتل جميع القيادات من الصف الأول وعلى رأسهم حسن نصر الله، ولم تعد تطمح إسرائيل فقط إلى تطبيق القرار 1701 تزحزح حزب الله خلف نهر الليطاني، بل تسعى نحو تحقيق القرار 1559 في 2004 الذي يطالب بانسحاب جميع القوات من لبنان بما فيها قوات حزب الله أي نزع سلاحه وهذا ما تتجه نحو تطبيقه إسرائيل. هناك خلل في التفكير الاستراتيجي لدى حزب الله، لم يتوقع أن نتنياهو يتجه شمالا بعد اضعاف حماس في غزة، ولم يقرأ حسن نصر الله الدعم المفتوح من الغرب لإسرائيل وأن في جعبته تصفية حسابه مع ما يسمى بمحور المقاومة، وبشكل خاص مع الوكيل القوى الذي يشكل جوهرة التاج في المشروع الإيراني الإقليمي، فإذا سقط ،فقد ينهار المشروع الذي استثمرت فيه إيران منذ 1983، بسبب أن إيران وحزب الله أخطأ بالحسابات الاستراتيجية، فجبهة العراق لا تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل كما تشكل جبهة لبنان، فيما الحوثيين يشكلون مشكلة إقليمية ودولية بسبب أن باب المندب ممر دولي وليس فقط إسرائيلي. بذلك يسقط المشروع الإيراني وهو في أضعف ما يكون بسبب هشاشة الداخل الإيراني يظهر في سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية في الداخل الإيراني للعلماء النوويين، وسرقة إسرائيل الأرشيف النووي من محيط طهران، والضعف الأخطر تظهر في قتل إبراهيم رئيسي وإسماعيل هنية، وعندما هاجمت إيران في أبريل 2024 أسقط ما يقارب 99 في المائة من هذه الوسائل، شاركت أمريكا في إسقاط هذه المسيرات والصواريخ، لم تمهل إسرائيل لا إيران ولا حزب الله التقاط الأنفاس واسترداد زمام المبادرة، وضرب وحدة الساحات، فمنذ قتل قاسم سليماني حتى قتل حسن نصر الله انتهاء الدور الإيراني، فيما الدول تتكالب على السعودية لتحقيق رؤية الممرات الاقتصادية التي تمر بها للمشاركة فيها من أجل أن تتحول المنطقة إلى أوروبا الجديدة. * أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية سابقا بجامعة أم القرى بمكة Dr_mahboob1@hotmail.com The post مستقبل مشروع إيران بعد نكسة اغتيال زعيم حزب الله appeared first on صحيفة عناوين الإلكترونية .
مشاركة :