أشدنا في مقال سابق بقرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة،حفظه الله، باعتبار عام 2016 هو عام القراءة في الإمارات، واعتبرناه يحمل رسالة ليس على مستوى دولة الإمارات فحسب بل هو رسالة إلى العرب جميعاً. وفي أمة يتجاوز أفرادها ثلاثمائة وسبعين مليون مواطن، والأمية فيها تتفاوت بنسب كبيرة، ومع وجود جامعات وكليات جامعية وصلت ألفا أو تزيد، ومع وجود عشرات الآلاف من الخريجين الجامعيين. بات موضوع الكتاب والقراءة أمرين يستحقان الحديث وتكراره. فهناك عشرات الآلاف من الأطفال الذين يحرمون من دخول المدارس، ومن فرصة تعلم القراءة والكتابة. لانشغال بلدانهم بالاقتتال، والذين ينضمون إلى ملايين من كتائب الأميين في الوطن العربي، ناهيك عن أنصاف المتعلمين الذين تخرجهم الجامعات وهم منزوعو الدسم الثقافي. ومن يتابع طرق التدريس في مدارسنا الحكومية، يلاحظ اتباعها أسلوب التلقين وبعدها عن تكوين مهارات التفكير الناقد لدى التلاميذ، وهذا ينسحب أيضا على الجامعات، حيث يصبح استخدام الكتاب المقرر فحسب هو الوسيلة الوحيدة لتوصيل المعلومات، ولا يتم تشجيع الدارسين على الاهتمام بمصادر معلومات خارج المقرر. فهذا يبعد طلابنا عن عادة القراءة الخارجية. وللأسف لم يتعود أبناؤنا على القراءة الخارجية لا في المدارس ولا في الجامعات. ولا تقوم المدارس ولا الأُسر بجعل القراءة أسلوب حياة، بحيث يتم تنشئة أبنائنا منذ نعومة أظافرهم على القراءة الخارجية. ولم تتأصل لدى الشباب العربي من خريجي الجامعات عادات القراءة، إذ تنقطع صلتهم بالكتاب عند تخرجهم، والقليل منهم من يتمتع بالثقافة ولديهم اهتمام بالقراءة وأغلبهم يدخلون سوق العمل وهم أنصاف متعلمين ويتسمون بأميّة ثقافية. وجل معرفتهم واهتماماتهم تنصب على استخدام وسائط التواصل الاجتماعي وممارسة الألعاب الإلكترونية. ولمعرفة مدى أزمة القراءة في الوطن العربي يمكن الرجوع إلى متابعة النشر فيه، فأي دار نشر عربية حين تصدر كتابا لا تطبع منه في أحسن الأحوال ثلاثة آلاف نسخة لقراء من المفترض أن يكونوا بالملايين بينهم مئات الآلاف من خريجي كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية ومئات الآلاف من المهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات، فعن أي كتاب نتحدث؟ وأين هم القراء إذن الذين ينتمون إلى أمة يتجاوز عدد أفرادها نحو 370 مليون نسمة. وإذا انتقلنا إلى البيئة المنزلية فكم من أسرة من بين نحو مئة مليون أسرة عربية لديها ركن للكتاب في منازلها وكم عدد الكتب على رفوفها؟ لقد كانت هناك مشاريع عربية لنشر الكتاب بأسعار رمزية مثل مكتبة الأسرة في مصر والأردن، وسلسلة عالم المعرفة في الكويت والكتاب الشهري الذي كان يصدر عن مجلة دبي الثقافية، وغيرها من المشاريع الثقافية الرائدة التي تسهم في نشر الكتاب والمساعدة على اقتنائه وقراءته.. ونؤكد هنا حاجتنا كي تصير القراءة أسلوب حياة يومية في المدرسة والبيت وأسلوب حياة في العمل، لخلق مجتمع قارئ وليس فقط لمحو أمية القراءة والكتابة، بل هي دعوة إلى محو الأمية الثقافية التي باتت من خصائص أجيال جديدة من الشباب العربي. هل من طريق للنهوض في مجتمعاتنا سوى الالتفات إلى أهمية القراءة التي تعني مجتمعاً خالياً من الأمية، وتقود إلى أجيال جديدة مُسلحة بالعلم والثقافة، قادرة على مواجهة التحديات الفكرية والتشوهات الثقافية التي باتت تنخر المجتمعات العربية.
مشاركة :