هل أصبحت حكومة طوارئ أو إنقاذ وطني خياراً وحيداً للخروج من الأزمة الخانقة التي تعصف بالعراق؟، يبدو أن الجواب عن ذلك، في ظل تفاقم الأوضاع وخطورة مآلاتها في العراق، هو نعم، فقد تسارعت الأحداث لتكبر وتتطور في المسالك التي أصبحت مغلقة. الدعوة للإصلاحات هي من فجر المشهد العراقي الجاهز للتفجير، فمع أن جميع النخب السياسية تدعو لذلك، صدقاً أو زيفاً، إلا أن هناك خلافات شديدة حول مفهوم الإصلاحات وطرائق القيام بها. فكرة حكومة التكنوقراط التي طرحها رئيس الوزراء العبادي، أصبحت الأكثر رواجاً، بعد أن تبناها التيار الصدري، مشترطاً أن تكون حكومة مستقلة، بعيداً عن المحاصصة العرقية والطائفية.. وهو ما لا يروق لمعظم الكتل السياسية التي تريدها حكومة على مقاساتها. فهذه الكتل التي جعلت من الوزارات مصادر لتمويل مشاريعها الشخصية أو الحزبية، غير مستعدة للتنازل عن ذلك، فضلاً عن أن هذا التنازل سيجر بعض قادتها في وقت لاحق إلى مساءلات قانونية عن مصير الثروات العراقية التي أهدرت أو نهبت، وقد تجد نفسها جراء ذلك في نهاية المطاف وراء القضبان. الثلاثون من أبريل المنصرم، أصبح نقطة تحول في تأريخ العراق منذ عام 2003، فقد أسقط المتظاهرون فيه، بعد فشل مجلس النواب في عقد جلسته للتصويت على بقية الوزراء التكنوقراط، لعدم اكتمال النصاب، أسقطوا أبرز الثوابت في العملية السياسية، وهو الدور السيادي الحصري لقادة الكتل السياسية في صناعة المشهد.. ورسم أبعاده ومساراته. فقد قرر المتظاهرون الغاضبون غير ذلك، عندما اقتحموا المنطقة الخضراء الحصينة، ثم مبنى المجلس النيابي، وعبثوا بمحتوياته، واعتدوا على بعض النواب، في سابقة هي الأولى من نوعها في تأريخ العراق. التيار الصدري الذي يقود الاحتجاجات، قادر على فرض شروطه، من خلال قدرته الكبيرة على تحشيد التظاهرات والاعتصامات التي أضعفت إلى حد بعيد دور القوى الأخرى. فما حدث لم يكن بسبب الفوضى أو التلقائية في التصرف، بل كان بناء على قرار اتخذه التيار الصدري، وأعلنه في وقت سابق، ضمن خطوات تصعيدية محسوبة في تسليط الضغوط على السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون الإخلال بالأمن. وقد اندفعت الأزمة نحو المزيد من التعقيد في اليوم التالي، حين صدر عن اجتماع عقدته الرئاسات الثلاث مع بعض رؤساء الكتل، بياناً أظهر مدى عجزها على مقاربة هذه الأزمة وتقديم حلول لمعالجتها، قوبل بتحدي اللجان المنظمة للتظاهرات، التي أصدرت بياناً حددت بموجبه خطواتها القادمة: إقالة الرئاسات الثلاث، والاعتصام في مقارها، والذهاب في النهاية إلى الإضراب الشامل والعصيان المدني. ولكن هذا ليس كل ما في الأمر، فمجلس النواب لم يعد قادراً على الانعقاد لإنجاز مهمته في التصويت على حكومة التكنوقراط، بسبب الفشل في تحقيق النصاب القانوني.. وهو وضع قد يكون من الصعب إيجاد مخرج له، فكتلة المعتصمين التي يربو عددها على المئة، أصبحت قوة تعطيلية لعمل المجلس، خاصة أن كثرة التغيب عن اجتماعات المجلس، ظاهرة مزمنة، إذ يكفي تغيب بضعة عشرات آخرين من النواب، ليصبح النصاب غير مكتمل، وبقاء الأزمة معلقة. مقتدى الصدر، الذي يقدم نفسه راعياً للإصلاح، يؤكد على سلمية التظاهرات والاعتصامات، وذلك لأنه قرر ألا يخوض صداماً مسلحاً مع السلطة، فقد سبق له أن خاضها مرتين، لم يحقق فيهما شيئاً. الأولى حين قرر الحاكم الأميركي في العراق، بول بريمر، إغلاق صحيفة التيار الصدري الحوزة الناطقة لستين يوماً في مارس 2004، قابلها التيار الصدري بالمظاهرات والاعتصامات، تطورت إلى معارك، سقط فيها العشرات من القتلي ومئات الجرحى في بغداد والنجف والكوفة. والثانية، التي تُعرف بصولة الفرسان، وهي عملية عسكرية أطلقتها حكومة نوري المالكي في مارس 2008، وأشرف شخصياً على تنفيذها في وسط وجنوبي العراق. أربعة خيارات أمام العراق لمواجهة أزمته، أولها ممارسة الضغط على الصدر، إقليمياً بالدرجة الأولى، للتخفيف من ضغوطاته على العملية السياسية، وتحقيق مطالب المحتجين.. وقد سبق لضغوطات كهذه أن نجحت في تفكيك محاولة سحب الثقة عن المالكي في مايو 2012، وثانيها، تعطيل البرلمان أو حله، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني غير حزبية، تقوم بتصريف الأعمال وتهيئة الظروف بعد فترة انتقالية لانتخابات برلمانية جديدة، على أسس جديدة، وتحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة، وثالثها، عودة العسكر وتسلم جنرالات الجيش للحكم، تحت ذريعة حفظ الأمن، وتصفية المؤسسات الديمقراطية، ورابعها، الذهاب نحو تفكك الدولة وسيادة الفوضى، وما تجر إليه من المزيد من الخراب والتشظي، عبر صراعات وحروب أهلية. الولايات المتحدة، من ناحيتها، لا تنظر بارتياح لما يجري في العراق، لأن زعزعة الاستقرار فيه يؤثر سلباً في الحرب على داعش، من جانب آخر، ترى في تحركات الصدر وتكتيكاته، وسائل لتقويض سلطة رئيس الوزراء، الذي ترى فيه شخصاً يمكن التفاهم والتنسيق معه.
مشاركة :