مفاجأة أكتوبر ومسار الانتخابات الأميركية

  • 10/5/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بضعة أسابيع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويحلّ الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، موعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، المحتقِنة بشدّة في هذه الدورة، والتي تجري برسم الصدام لا التنافس السياسي التقليدي المعتاد. تقليديًّا، عرف الأميركيّون قصّة مفاجأة أكتوبر، تلك التي تغير الأوضاع وتبدّل الطباع، وغالبًا ما ترتبط بحدثٍ أو أحداثٍ بعينها، كفيلة بأن تجعل الحظّ يوفي لأحدهم ويَخْلِف الآخر، ولمفاجاة أكتوبر أمثلة عدّة في تاريخ الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. هل هناك احتمالات لأن تجري المقادير هذه الأيّام بواحدة من تلك المفاجآت المثيرة؟ يبدو أنّ هناك بالفعل العديد من الفرص لظهور كعب أخيل في ملفات هاريس أو ترامب، وساعتها لن يكون هناك مُتَّسَع من الوقت للظهور لمداواة الجرح الانتخابيّ. قبل بضعة أيّام، وخلال مقابلة متلفَزة لها مع برنامج "فايرينغ لاين"، كانت وزير الخارجيّة الأميركيّة الأسبق، هيلاري كلينتون تحذّر المرشَّحة الديمقراطيّة كامالا هاريس من مفاجأة أكتوبر، والتي يمكنها أن تشوّه وتُفسد حملتها الانتخابيّة. تتوقّع هيلاري أن تكون هناك "جهودٌ متضافرة لتشويه وإفساد صورة هاريس، ومن هي، والأمور التي تدافع عنها، وإنجازاتها". هل من أمر ما بعينه يمكنه أن يجعل أميركا برُمّتها فريسةً لمفاجآت أكتوبر، وليس لمفاجأةٍ واحدة؟ مؤكَّدٌ أنّ انتخابات 2024، يمكن اعتبارها بداية مخاض التزوير العميق، والأخبار المزيَّفة، والتي يصعب معها على رجل الشارع غير التقنيّ أو المتخصّص، الفرز والتمييز، وتحديد ما إذا كان الذي أمامه من قصص حقيقيًّا أم منحولاً. والثابت أنّ خطورة مفاجآت أكتوبر هذه المرة، تتجاوز الصراع الداخليّ بين الحزبَيْن الكبيرَيْن، الجمهوريّ والديمقراطيّ، وأنصارهما داخل البلاد. الطامّة الكبرى هذه المرّة، هي أنّ هناك قوى خارجيّة، لا سيّما ما يُطلَق عليه مجمع الاستخبارات الأميركيّة، مربّع الشرّ أي روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية. لم تنفكّ السلطات الأمنيّة الأميركيّة، لا سيّما السيبرانية منها، تحذّر من الخوادم التي تعمل من على بُعد آلاف الأميال وتستهدف المواطن الأميركيّ، ولم يعد الأمر سرًّا، فقد تمّ توجيه أصابع الاتّهام لموسكو وبكين، أمّا طهران فهناك ما يتجاوز محاولات التدخّل في إرادة الناخبين، وصولاً إلى وجود محاولات لاغتيال المرشَّح الجمهوريّ دونالد ترامب شخصيًّا. يَعِنّ للقارئ أن يتساءل: "هل مفاجآت أكتوبر تستهدف دعم مرشَّحٍ على حساب الأخر، بمعنى: من تفضّل موسكو؟ هاريس أم ترامب، وهكذا بكين وطهران. الجواب يحمل في واقع الأمر ما هو أبعد من ذلك بكثير، فالهدف بحسب الراسخين في علوم الشؤون الداخليّة الأميركيّة، هو تعميق الشرخ في النسيج المجتمعيّ الأميركيّ، والتشكيك في منظومة الديمقراطيّة التي يؤمن بها الأميركيّون، وإثارة عواصف العنف، من خلال تأجيج عواطف الشعب وتأليب الكلّ ضدّ الكلّ، ما قد يفتح الباب لأوّل تدخّل عسكريّ رسميّ في تاريخ البلاد، ما يعتبره البعض البوّابة الرئيسيّة لتفكيك حالة الفيدراليّة، والولوج إلى عالم الكونفيدراليّة، ما يعني أنّ أميركا قد تكون بالفعل على عتبات المرحلة التي عَرَفها الاتّحاد السوفيتيّ في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم. في مقدّم المفاجآت المحتملة بقيّة هذا الشهر، ظهور تسجيلات صوتيّة أو مرئيّة لأيٍّ من المرشحين، وهنا تبدو فرص توجيه ضربات موجعة لكامالا هاريس، أكبر وأوسع من تعرُّض ترامب لنظيرتها، سيّما عبر أحاديث تُعَدُّ منفلتةً سياسيًّا، استُخدِمت فيها تعبيرات تختصم من كتلٍ تصويتيّة بعينها. وقد يكون السلوك الشخصيّ للسيدة هاريس بدوره عرضة لبابارتزي الانتخابات، عبر الصورة أو الكتابة، وها هي وسائط التواصل الاجتماعيّ تتسابق على تحقيق ما بات يُعرَف بـ"الترند"، لتحقيق أكبر أرباح مادّيّة أو إيديولوجيّة. كان هذا النوع من التسجيلات قد لعب دورًا مثيرًا في انتخابات الرئاسة عام 2016، حيث راج في الأوساط الإعلاميّة تسجيلٌ مسموع ينتقص من سلوك المرشَّح الجمهوريّ ترامب، وقد كاد الأمر أن يُنهي مساعيه للوصول إلى البيت الأبيض في تلك المرّة. الأمر نفسه تكرَّرَ في انتخابات الرئاسة 2020، عبر ما عُرِفَ بكمبيوتر هانتر بايدن المحمول، والذي عرض صورًا وقصصًا مثيرة للجدل لابن المرشَّح الديمقراطيّ، وتمّت التغطية على الأمر. والثابت أنّه ليس سرًّا القول إنّ وسائل الإعلام الأميركيّة قد ركّزت على بعض السياسات التي دعمتْها هاريس خلال حملتها الرئاسيّة لعام 2020، عندما قالت إنّها تدعم حظر التكسير الهيدروليكيّ ودعمت إلغاء تجريم عبور الحدود بشكلٍ غير قانونيّ. هنا قد يتسبّب تسجيلٌ صوتيّ أو مرئيّ إضافيّ لها كمرشَّحة رئاسيّة أو مدّعية عامّة أو عضوة في مجلس الشيوخ في صدع جديد لحملتها، سيّما أنّها قد نأتْ بنفسها عن هذه الآراء خلال حملتها 2024. على جانب المرشَّح الجمهوريّ ترامب، ورغم أنّ جلَّ أوراقه المثيرة للقلاقل تكاد تكون على المائدة الأميركيّة، وقد قُتلت بحثًا ومحاكمات، اتّهامات وأحكامًا، إلاّ أنّ الأسابيع القليلة المتبقّية لا تزال تحمل فرصةً لظهور تسجيلات صوتيّة أو تلفزيويّة لترامب خلف الأبواب المغلقة للمانحين، يمكن أن تشكّل بالنسبة لهاريس عاصفةً ناريّة ومادّةً خصبة لتوجيه ضربة قاضية لها، كما حدث عندما وعد المانحين الأثرياء بتخفيضات ضريبيّة في فترة ولايته الثانية المحتمَلة. تبدو الطبيعة بدورها من بين عوامل مفاجآت أكتوبر المحتملة، وما خَلَّفه إعصار هيلين في ولايات فلوريدا وجورجا وكارولينا الشماليّة، قد يتسبّب في إعاقة عشرات الآلاف عن التصويت، خاصّةً في ولايتي كارولينا الشماليّة وجورجا، حيث من المقرَّر أن يبدأ التصويت المبكّر شخصيًّا في الأسابيع المقبلة، وكلتا الولايتَيْن تشهد منافسةً شديدة، ومن المتوقَّع أن تساعدا في تحديد الفائز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. هل يمكن للشرق الأوسط بدوره، وتدافع الأحداث فيه أن يخلق مفاجأة أكتوبريّة؟ قطعًا، تبدو سياسات إدارة بايدن في تقدير كثيرٍ من الأميركيّين فاشلة، كما باتت العلاقات الإسرائيليّة الأميركيّة مشوبة بكثير من القلق والتوتر، واليوم يتساءل الأميركيون: "هل الشرق الأوسط مقبل على انزلاقٍ خطير، من جرّاء غياب الحضور الأميركيّ العادل والنزيه، وصاحب السطوة والنفوذ في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ يخشى الأميركيّون من أن تكون أحداث المنطقة عاملاً محفّزًا عند لحظة من سخونة الرؤوس لحدوث مستنقعٍ فيتناميٍّ جديد، ويعتبرون أنّ ما جرى في أفغانستان شَكَّلَ مهانة واضحة للنفوذ الأميركيّ حول العالم، عطفًا على فخّ العراق والذي لا زال مفتوحًا بوجود 2500 جنديّ أميركيّ هناك، هؤلاء قد يصبحون عند لحظة بعينها أهدافًا سهلة للانتقام. وفي كلّ الأحوال، فإن أيّ اشتعالٍ شرق أوسطيّ جديد، سيَصُبّ حكمًا في صالح ترامب، ويختصم الكثير من حضور هاريس، بوصفها النائب الذي أخفق في تقديم النصيحة السديدة لسيّد البيت الأبيض. الطامّة الكبرى التي تخشاها أميركا بجمهوريّيها وديمقراطيّيها تتمثّل في أعمال العنف التي تستهدف المرشّحين أو العاملين في الانتخابات أو الموظّفين أو غيرهم من المسؤولين. حالة الترقّب في الداخل الأميركي للأسابيع القليلة القادمة غير مسبوقة، والجميع يتمنّى أن تمرّ هذه الانتخابات بأقلّ خسائر على الداخل، سيّما أنّ انعكاساتها على بقيّة أرجاء العالم أمرٌ محقَّقٌ سواء قَبِل البعض أو أنكر غيرهم، وحتّى إشعار آخر تتبدّل فيه موازين القوى الدوليّة.

مشاركة :