بات سكان بلدة مادما إلى الجنوب من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، غير قادرين على الوصول إلى نحو 5 آلاف دونم (الدونم = 1000 متر مربع) من أراضيهم المزروعة بأشجار الزيتون، جراء قيود فرضها الجيش الإسرائيلي واعتداءات المستوطنين منذ أحداث 7 أكتوبر. يأتي ذلك مع بدء المزارعين الفلسطينيين بجني ثمار الزيتون منذ مطلع أكتوبر/تشرين أول الجاري، وسط تحديات يواجهونها قطف الثمار بالمناطق المتاخمة للمستوطنات بالضفة الغربية. ويتوقع وزير الزراعة الفلسطيني رزق سليمية في تصريحات صحفية، أن 150 الف دونم مزروعة بالزيتون لن يتمكن المزارعون من الوصول لها لذات الحال. ** ملاحقة وترهيب وتعرض مزارعو مادما وبلدات أخرى بالضفة الغربية لاعتداءات المستوطنين خلال جني الثمار، بينها تدمير ممتلكاتهم وسرقة أدوات القطف وتحطيم المركبات والاعتداء بالضرب والترهيب. يقول رئيس مجلس قروي مادما عبد الله زيادة للأناضول، إن "مجموعة من المستوطنين هاجموا، الإثنين، قاطفي الزيتون في أراضي البلدة واعتدوا عليهم وأطلقوا الرصاص تجاههم وطردوهم من حقولهم". وأشار زيادة إلى أن مجموعة من المستوطنات القريبة من البلدة بينها مستوطنة يتسهار، يشن ساكنوها أعمال عربدة وسرقة للمحاصيل، ويعتدون على المزارعين ويمنعونهم من الوصول إلى أراضيهم. في المقابل، يقوم الجيش الإسرائيلي بتوفير الحماية للمستوطنين ومساندتهم في التضييق على السكان.. "اليوم نمنع من الوصول قطعيا إلى 5 آلاف دونم غالبيتها مزروعة بأشجار الزيتون، بدعوى أنها مناطق قريبة من المستوطنات بحجج أمنية". وقال "نحو 70بالمائة من أراضي البلدة الزراعية بات من الصعب الوصول إليها". ولفت إلى أن جزءا من تلك الأراضي تقع ضمن المناطق "ب" حسب تقسيمات اتفاقية أوسلو.. "الأراضي تقع في الجهتين الجنوبي والشمالية للبلدة". وقال: "الجيش منذ 7 أكتوبر الماضي ،وضع بوابة حديدية في الجهة الشمالية للبلدة ويمنع السكان من الوصول إلى أراضيهم". وأضاف: "يدعي الاحتلال بأن تلك الإجراءات لأسباب أمنية، غير أنه من الواضح أن الهدف السيطرة على تلك الأراضي لصالح التوسع الاستيطاني". "تلك الإجراءات تعني فقدان الأراضي وفقدان مصدر رزق أساسي للمزارع، وتشكل عنصرا استفزازيا للسكان الذين يشاهدون أراضيهم بأعينهم، ولا يمكنهم الوصول إليها بينما يسرح ويمرح فيها المستوطن". وعلى سفح جبل مقابل للبلدة، تجري أعمال تجريف لأراض واسعة من قبل جرافات إسرائيلية، يقول رئيس المجلس القروي إن مستوطنين يعملون على استغلال أراضي وتحويلها إلى مزارع للعنب والفواكه، وهي ملك خاص للفلسطينيين في مادما وبلدات مجاوره. وتقع مادما إلى الجنوب من مدينة نابلس حيث شيد المستوطنون عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية في السنوات السابقة، وكانت على مدار تلك السنوات منطلقا لشن هجمات ضد الفلسطينيين ومزارعهم. ويسكن القرية نحو 2500 فلسطيني. ويقول عبد الرحيم أسعد (67 عاما)، أحد مزارعي بلدة مادما، للأناضول بينما يجني ثمار الزيتون من حقله القريب من شارع استيطاني، "نلاحق يوميا من قبل المستوطنين وحارس مستوطنة يتسهار، لا يريدون أن يأتي أحد للحقول رغم أنها تقع في المنطقة ب حسب اتفاق أوسلو". وأشار أسعد إلى أن حارس المستوطنة صادر مقتنيات قطف الثمار في ساعة مبكرة من فجر الخميس وسرق المحصول المجني". ويسارع المزارع في قطف الثمار وعينه على شارع استيطاني خشية ملاحقته وسرقة ثمار حقله. وقال "الأرض ملك خاص لكن الاحتلال يسعى لإفراغها من السكان لصالح تنفيذ مشاريع استيطانية". ورصد مراسل الأناضول وصول حارس المستوطنة الإسرائيلية مرة أخرى بينما كانت برفقة المزارع في الحقل. لم يقدم الحارس فعل أي حركة بينما توقف وراقب ما يجري، يقول أسعد "يبدو أنه شاهد الكاميرات لا يريد توثيق اعتداءاته". ولأسعد 17 دونما مزروعة بأشجار الزيتون في مواقع متفرقة من البلدة يقول إنه تعرض خلال السنوات الماضية لسلسلة اعتداءات بينها تحطيم عشرات أشجار الزيتون. ويقول الفلسطيني أسعد أن أشجار الزيتون جزء من تراث وكيان الفلسطيني. وأضاف "رغم كل المضايقات لن نتخلى عن الأرض، سنعمل بها نطرد بقوة السلاح اليوم ولكن نعود لها في اليوم التالي. ** هجمات أخرى وليس بعيدا عن مادما، يقول الناشط في مقاومة الاستيطان بشار القريوتي للأناضول، إن مجموعة من مستوطني مستوطنة يتسهار هاجموا مزارعين من بلدة حوارة قرب نابلس، واعتدوا عليهم بالضرب وحطموا مركباتهم وسرقوا محصول الزيتون. وأشار إلى أن مواطنين اثنين على الأقل، نقلا للعلاج جراء إصابتهما بسبب اعتداء المستوطنين. ويرصد القريوتي عددا من تلك الهجمات في الضفة الغربية، ويقول إن "موسم الزيتون هذا العام وفيرا، لكن الاستيطان الإسرائيلي يعكر صفوه، ويشكل فرصة لشن هجمات بينها بالرصاص الحي وبحماية من الجيش الإسرائيلي. بدوره يقول ماجد خلف، رئيس مجلس قروي بلدة رنتيس غربي رام الله، إن مستوطنين حاصروا قاطفي الزيتون في أراضي القرية. وأضاف للأناضول، أن ذلك تم بحماية من الجيش الإسرائيلي الذي أطلق الرصاص الحي تجاه السكان الذين حاولوا الوصول للموقع.. "ذلك يأتي في محاولة لمنع المزارع من الوصول إلى حقوله". ** موسم صعب ويقول وزير الزراعة الفلسطيني رزق سليمية، إن المواطنين في الضفة الغربية على أبواب موسم زيتون استثنائي وصعب وسط تصاعد اعتداءات المستوطنين وحرب الإبادة الإسرائيلية. وأضاف في لقاء مع عدد من المؤسسات الفلسطينية، لوضع خطة لقطف ثمار الزيتون وحماية المزارعين، حضره مراسل الأناضول: "نتوقع موسما صعبا وخطرا جراء تصاعد اعتداءات المستوطنين". وتابع: "نواجه هذا العام خطر تكرار منع المزارعين من جني أكثر من 100 ألف دونم العام الماضي، بسبب اعتداءات المستوطنين، إضافة إلى منعهم من دخول أراضيهم الواقعة خلف جدار الفصل والتي تستوجب استصدار تصاريح، وتعذر وصولهم إلى الأراضي في مناطق مصنفة ج". وزاد: "العام الماضي سجل رسميا منع قطف ثمار نحو 100 ألف دونم مزروعة من أشجار الزيتون، وتقديري هناك نحو 50 ألف دونم مُنع المزارعون أيضا من قطف الثمار فيها غير أنها لم تسجل رسميا". واعتبر الوزير الفلسطيني أن ما يجري في الضفة الغربية "حرب حقيقية بشكل صامت عنوانها المستوطنون". وتمنع السلطات الإسرائيلية البناء أو استصلاح الأراضي في المناطق المصنفة "ج"، دون تراخيص منها، والتي من شبه المستحيل الحصول عليها، وفق تقارير حقوقية. وصنفت اتفاقية أوسلو (1993) أراضي الضفة 3 مناطق وهي "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتقدر بنحو 60 بالمئة من مساحة الضفة. وأردف الوزير الفلسطيني: "الزيتون يرمز لنا كشعب وأرض، بالإضافة إلى أنه موسم اقتصادي واجتماعي وثقافي". ووجه سليمية دعوة إلى كافة المواطنين لتنظيم "فزعة (مساعدة) منظمة لجني قطاف الثمار.. نريد حماية أرضنا وتمكين المزارعين، هذا شهر تحمل المسؤولية، لن نترك المزارعين فرادى". واستطرد: "بتوجيهات رسمية يتطوع موظفو الدولة لجني الثمار بمن فيهم أفراد الأجهزة الأمنية بصورة مدنية". وتوقع وزير الزراعة أن تنتج الضفة الغربية العام الحالي نحو 20 ألف طن من زيت الزيتون، ووصف الموسم بـ"بأكثر من جيد". وتشكل الأراضي المزروعة بالزيتون أعلى مساحة بالبستنة الشجرية وقدرها 575.2 ألف دونم، بنسبة 85.0 من المساحة المزروعة، بحسب الإحصاء الفلسطيني. وعادة ما يشن مستوطنون هجمات على المزارعين الفلسطينيين وحقولهم، وتتزايد تلك الهجمات مع موسم قطف ثمار الزيتون. والعام الماضي ومع بدء الحرب على قطاع غزة منع مستوطنون والجيش الإسرائيلي مزارعين فلسطينيين من الوصول إلى حقولهم القريبة من المستوطنات وجدار الفصل الإسرائيلي بحجج أمنية. ويقول الفلسطينيون إن ترك أراضيهم بورا (بلا استصلاح) يجعلها لقمة سائغة للمستوطنين للسيطرة عليها ومصادرتها. وبموازاة الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فقد صعّد عملياته فيما صعد المستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 742 فلسطينيا، بينهم 160 طفلا، وإصابة نحو 6 آلاف و200 واعتقال حوالي 11 ألفا، وفق مصادر رسمية فلسطينية. وفي غزة، تواصل إسرائيل حرب الإبادة الجماعية بدعم أمريكي كامل، ما أدى إلى سقوط أكثر من 139 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، مع فقدان أكثر من 10 آلاف شخص، وسط دمار واسع ومجاعة متفاقمة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :