تحول موسم قطف ثمار الزيتون في الضفة الغربية من موسم احتفالي وابتهاج إلى خوف ورعب، بل وصل إلى درجة أن يفقد الفلسطيني حياته برصاص إسرائيلي خلال هذا الموسم. وعادة ما يبدأ الفلسطينيون الموسم في شهر أكتوبر من كل عام لجني ثمار زيتونهم، إلا أنه منذ السابع من أكتوبر الماضي 2023 تغير الحال، حيث يمنع الفلسطينيون من الوصول إلى أرضهم ويتم الهجوم عليهم وملاحقتهم من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين على حد سواء. وقال عبد العظيم عودة الناشط المحلي في بلدة قصرة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن موسم قطف ثمار الزيتون تحول من موسم ابتهاج وترابط وتلاحم عائلي إلى خوف ورعب بسبب هجمات المستوطنين الذين يحاولون منع المزارعين من الوصول إلى أرضهم. وأشار عودة إلى أن أحد حراس مستوطنة "يش قودش" قام قبل أيام بإطلاق النار على مزارعين في المنطقة ما بين قصرة وقرية جالود جنوب نابلس بهدف طردهم من أرضهم ومنع قطف ثمار الزيتون، مضيفا رغم أن هذه منطقة مصنفة "ب" وفق اتفاقية أوسلو وليس مناطق "ج". وتقسم الضفة الغربية حسب اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، إلى ثلاث مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية. وتابع عودة أن المستوطنين منعوا المزارعين العام الماضي من الوصول لهذه المنطقة ولم يتمكنوا من جني محصولهم، وعند حصولهم على تنسيق من خلال الارتباط الفلسطيني هذا العام أيضا تم منعهم وإطلاق النار عليهم. وأوضح أن المستوطنين يطلقون النار ومن ثم تأتي مركبات الجيش الإسرائيلي وتقوم بطرد المزارعين وتخبرهم بعدم وجود قطف للزيتون هذا العام بحجة أن "هناك حرب"، لأن من يحكم هم المستوطنون بالضفة. وتقدر مساحة الأراضي في هذه المنطقة بأكثر من 35 دونم مزروعة بالزيتون، بحسب عودة مهددة بالمصادرة حيث يحاول المستوطنون منع المواطنين من الوصول إليها ليسهل بعد ذلك حرقها وتدميرها ثم الاستيلاء عليها. وبسبب الخشية من هجوم المستوطنين أصبح الفلسطيني وكأنه يسرق زيتونه ولا يستطيع تناول كوب من الشاي أو إعداد وجبة طعام، حتى لا يشعل النيران ومن ثم يجلب المستوطنين، وفق عودة. واتهم الناشط المحلي الفلسطيني الجيش الإسرائيلي بالعمل تحت إرادة المستوطنين، مشيرا إلى أن أغلب الأحيان يأتي مستوطن واحد يقوم بالاعتداء ومن ثم تتبعه مركبة للجيش وتنفذ ما يطلبه بطرد المزارعين أو منعهم من التواجد بأرضهم ولذلك نرى المستوطنين يحرقون ويجرفون أراض ويدمرون الأشجار. وتشهد الضفة الغربية منذ بداية موسم قطف الزيتون الحالي الذي بدأ في العاشر من أكتوبر ويستمر نحو 40 يوما جملة من الممارسات اليومية التي ينفذها المستوطنون ضد المزارعين من خلال الاعتداء الجسدي أو تقطيع الأشجار والاستيلاء على محصولها. وقال ناجح رستم رئيس مجلس قروي قرية دير جرير شرق مدينة رام الله وسط الضفة الغربية في حديث لـ((شينخوا) إن المستوطنين اعتدوا على مزارعين في أراضي القرية وحاولوا الاستيلاء على محصولهم الذي تم جنيه. وأضاف رستم أن المستوطنين "يعتدون" عليهم منذ عدة أيام وقاموا بطردهم ومنعهم من العمل في أرضهم، فيما استولوا على محصولهم الذي تم جمعه محاولين الاستيلاء على الأراضي. وتابع أن المزارعين توجهوا إلى أرضهم بمساعدة ووجود نشطاء سلام إسرائيليين الذين حاولوا منع المستوطنين من "الإعتداء" على المزارعين، إلا أنهم تحت الهجوم تم مغادرة الأرض. وأشار رستم إلى أن المستوطنين يحاولون الاستيلاء على هذا الأراضي الزراعية رغم أنها ملك لأصحابها الذين يمتلكون أوراق ملكية فيها، لافتا إلى أن المستوطنين معنيون بإفساد موسم القطف ويحاولون تكريه الفلسطيني بأرضه وبشجرة الزيتون التي تحتل مكانة كبيرة لديه. من جهته، اعتبر مدير التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية أمير داوود أن ما يحدث هذا الموسم يوازي ما حدث في الموسم الماضي من حيث خطورة الاجراءات التي تتم ضد المزارعين من قبل المستوطنين والجيش الاسرائيلي. وقال داوود لـ((شينخوا)) إن إسرائيل وجماعات المستوطنين "يتسترون" بستار الحرب لتنفيذ المخططات بالضفة الغربية، ونحن نعلم أن الحكومة الإسرائيلية هي حكومة يقودها قادة المستوطنين. وتابع أن هناك محاولات لفرض الأمر الواقع بمعنى السيطرة على الأراضي خاصة مع الزيادة الكبيرة في عدد البؤر الاستيطانية وهي زيادة غير مسبوقة ما يدلل على أن هناك توجيهات من داخل الحكومة الإسرائيلية برعاية إنشاء البؤر الاستيطانية من أجل السيطرة على الأراضي. وأشار إلى أنه بعد السابع من أكتوبر 2023 تم إقامة 32 بؤرة استيطانية جديدة وهذه تحولت لنقاط من أجل تنفيذ الهجمات على الفلسطينيين وبالتالي كل زيادة في عدد البؤر الاستيطانية التي يقيمها مستوطنون هي تشكل زيادة في "الاعتداءات ونقاط انطلاقها". ونبه إلى أن استهداف موسم قطف الزيتون من قبل إسرائيل ليس استهدافا ديناميكيا بل هو استهداف لموسم وجداني ويدلل على علاقة الفلسطيني بالأرض، لافتا إلى الإعتداء على 18 ألف شجرة منذ السابع من أكتوبر 2023 منها 80 % أشجار زيتون. واتهم داوود الحكومة الإسرائيلية بالعمل على تكامل وظيفي مع المستوطنين لتنفيذ مخططات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، من خلال طرد الفلسطيني وتحديد وحصر قدرته على الوصول الى أرضه لأن منعه من الوصول إليها سيؤدي للسيطرة عليها ومصادرته، فيما يشكل منهجية استعمارية استيطانية شاملة، على حد تعبيره. ونفذ المستوطنون منذ بداية هذا الموسوم 97 هجوما على المزارعين وأراضيهم في الضفة الغربية، فيما نفذ الجيش الإسرائيلي 71 هجوما تركزت في نابلس 49 ورام الله 15. وشهد العام 2023 هجمات كبيرة ومنع مئات المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون ما أدى لخسائر اقتصادية بصفوفهم. وقال رئيس مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني فياض فياض لـ((شينخوا) إن الخسائر العام الماضي كانت كبيرة فاقت 20 % من الانتاج من زيت الزيتون. وأضاف أن التوقعات كانت بإنتاج 12 ألف طن من زيت الزيتون، ولكن لم يصل إلى 10 آلاف طن وهي النسبة الأسوأ منذ العام 2015. وأشار إلى أن المزارعين لم يتمكنوا من الوصول إلى 88 ألف دونم في الضفة الغربية ونحو 40 ألف دونم في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الموسم الحالي لم ينتهي بعد ولا يمكن تقدير خسائره إلا بعد انتهاء الموسوم. وفي كثير من الأحيان يشير الجيش الإسرائيلي إلى فتح تحقيقات في هجمات ينفذها المستوطنين بحق المزارعين وأراضيهم. ويعيش في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي إلى جانب 3.25 مليون فلسطيني، وكثيرا ما تحولت المواجهات بين الجانبين إلى أعمال عنف. وبحسب مصادر إسرائيلية وفلسطينية فإن أكثر من 600 ألف مستوطن إسرائيلي يتواجدون في 164 مستوطنة و124 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية والقدس.
مشاركة :