رحيل الوالدين هو جرح لا يلتئم بمرور الزمن، بل يظل محفورًا في أعماق القلب، ثلاث سنوات مرت منذ رحيل أمي وأبي، ومع ذلك يبدو وكأن الحزن الذي تركاه لا يزال يسكن كل زاوية في روحي، بعد رحيلهما تغير كل شيء في حياتي، لم تعد المشاعر كما كانت من قبل، الأفراح لم تعد تفرحني، والأحزان لم تعد تؤثر بي كما كانت، شعور الفقد الأكبر طغى على كل شعور آخر، حتى أنني لم أعد أحزن كما كنت من قبل، لأن حزن فقدهما أعمق وأكبر من أي شيء آخر. أصبحت كل لحظة تمر بي مجرد ذكرى تذكرني بما كان، وكل موقف صعب أو محزن يبدو صغيرًا مقارنة بذلك الفقد الجلل، والداي كانا ملاذي وسندي، وغيابهما جعلني أشعر بأنني فقدت جزءًا من نفسي، جزءًا لا يمكن تعويضه، ورغم كل شيء، مازلت أحاول التعايش مع هذا الحزن الدفين، محاولة إيجاد القوة التي كانا دائمًا يغرسانها في داخلي، ولكن الحقيقة تبقى أنني لم أعد كما كنت، ولم يعد شيء يؤثر بي كما كان. مع مرور الأيام أدركت أن غياب الوالدين ليس مجرد فقدان لأشخاص نحبهم، بل هو فقدان للأمان الذي كانا يوفرانه، وللتوجيهات التي كانت دائمًا تُضيء طريقنا، وللحب الذي كان يغمر حياتنا دون شروط، رحيلهما جعلني أواجه الحياة وحدي، دون تلك الأيدي التي كانت تمتد لمساعدتي في كل مرة أتعثّر فيها، لم يعد هناك من يسمعني بأذن صاغية، ولا من يشاركني همومي كأمي وأبي، ولم يعد هناك من يراني بعين الفخر مهما كانت الإنجازات صغيرة. بعد فقدانهما أصبحت التحديات التي تواجهني لا تُرهقني كما كانت من قبل، ربما لأن أكبر تحدٍ قد مرّ بالفعل، وهو العيش دونهما، أصبحت الحياة أحيانًا تبدو فارغة، وأحيانًا ثقيلة، تحمل ذكريات لا تنسى ولحظات لن تعود، كل زاوية في البيت وكل مكان في المدينة يذكرني بهما، بضحكاتهما وكلماتهما وحضورهما الذي كان يغمر المكان بالدفء. حتى الأعياد والمناسبات السعيدة لم تعد كما كانت، أصبحت تحمل طابعًا من الفقد، يذكرني بأن هناك جزءًا ناقصًا من الفرح، جزءًا لا يمكن ملؤه مهما حاولت، ومع ذلك أُجبر نفسي على الابتسام، لأنني أعلم أن هذا ما كانا يريدانه لي، أن أكون سعيدًة وأن أستمر بالمضي قدما رغم الفقد. رغم كل هذا الألم، فإن ذكراهما تبقى مصدر إلهام لي، أعلم أن والدَيَّ كانا سيودان رؤيتي أواجه الحياة بشجاعة، أتعلم من الصعوبات، وأقف كل مرة بعد السقوط، أحاول أن أحافظ على إرثهما، على قيمهما، وعلى القوة التي كانا يجسدانها، فهما ليسا مجرد ذكرى، بل جزء من تكويني، ومن هويتي التي أعيش بها كل يوم.
مشاركة :