تصدّر المرشّح العمالي صديق خان (45 عاما) نتائج انتخابات بلدية لندن أمس، وحصد نسبة من الأصوات أهّلته للفوز على منافسه الرئيسي المحافظ زاك غولدسميث. وفي تطوّر وصفه الكثير بـ«التاريخي»، أصبح خان البريطاني من أصول باكستانية أول عمدة مسلم لعاصمة غربية كبيرة. ويخلف خان المحافظ بوريس جونسون، الذي شغل منصب رئيس بلدية لندن لدورتين انتخابيتين من 4 سنوات، بنحو 44.2 في المائة (حتى وقت كتابة هذه السطور). وقبل الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات بنحو ساعتين، أعلن حزب العمال البريطاني فوز مرشحه صديق خان برئاسة بلدية لندن. واحتفاء بهذا الفوز، كتب رئيس الحزب جيرمي كوربن في تغريدة على «تويتر»: «كلّ التهاني لصديق خان. أتطلع للعمل معك لجعل لندن مدينة عادلة للجميع!». واشتعلت حملة «يس وي خان» التي تذكّر بحملة الرئيس الأميركي باراك أوباما («يس وي كان»)، على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة التي سبقت الإعلان عن النتائج أمس. ورحّب كبار السياسيين العمال بفوز خان في لندن، بعد أن جاءت نتائج حزبهم في الانتخابات المحلية الأخرى مخيّبة للآمال، حيث تعرّض لانتكاسة في اسكوتلندا بحلوله في المركز الثالث بعد الحزب القومي الاسكوتلندي وحزب المحافظين الحاكم. ولم يكن كوربن الوحيد الذي استبق صدور النتائج الرسمية لتهنئة خان، إذ بادرت رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، بالخطوة ذاتها وكتبت في تغريدة على «تويتر»: «تهانيّ لصديق خان الذي انتخب رئيس بلدية لندن! إن إنسانيته وتقدميته سيفيدان اللندنيين». بدوره، هنّا رئيس بلدية نيويورك دي بلازيو العمدة الجديد، ووصفه بـ«المدافع عن السكن المتاح للجميع»، آملا في العمل معه في المستقبل. في المقابل، انهالت الانتقادات على المحافظ الثري غولدسميث، الذي وصفته سعيدة وارسي السياسية المحافظة المعروفة والوزيرة السابقة بسبب «هزيمتنا في الانتخابات، و(فقداننا لـ) سمعتنا ومصداقيتنا في قضايا العرق والدين». كما أسفت شقيقة المرشح المحافظ جميما غولدسميث لـ«عدم تمثيل حملة شقيقي لما يمثّله وما أعرفه عنه: صديق للبيئة، سياسي مستقل يتمتّع بالمصداقية». كما «غرّدت» بعبارة تهنئة لخان، واصفة إياه بـ«مثال عظيم للشباب المسلم».وتميز السباق الانتخابي بين المرشحين الأوفر حظا للفوز بعمودية لندن، بتبادل اتهامات نارية، وأثار آخرها غضب المواطنين بعد أن نشرت صحيفة «ميل أون صنداي» المؤيدة للمحافظين مقالا بعنوان «هل سنسلم فعلا أروع مدينة في العالم إلى حزب عمالي يقول: إن الإرهابيين أصدقاؤه؟». وأرفقت الصحيفة المقال بصورة لحافلة مدمرة جراء الاعتداءات الإرهابية التي ضربت العاصمة البريطانية في 7 يوليو (تموز) 2005. وركزت حملة غولدسميث على اتهام خان بالتعاطف مع المتطرفين، وهو ما كرره زعيم الحزب ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال جلسة برلمانية أول من أمس. بهذا الصدد أفاد المتحدث باسم حزب المحافظين في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بعد افتتاح مكاتب الاقتراع، أول من أمس، بأن «الشعب البريطاني لديه فرصة لاختيار من يمثل المجلس المحلي وبلدية العاصمة»، حاثّا الناخبين على التصويت لصالح معسكر المحافظين «للحفاظ على سلامة المجتمع».ووعد المرشحان بمواجهة المشكلات الملحة للعاصمة التي ارتفع عدد سكانها نحو 900 ألف نسمة خلال ثمانية أعوام، ليصل إلى 8. 6 مليون. وأبرز وعودهما الانتخابية تشمل ارتفاع أسعار السكن، ووسائل النقل المكتظة والتلوث. وفي نقاشات حادة في البرلمان البريطاني، الأربعاء، اتهم كاميرون رئيس حزب العمال بالفشل في معالجة المشكلة، وهاجمه مع خان، واتهمهما بالتعاطف «مع المتطرفين». واستشهد كاميرون بتصريحات سابقة لكوربن اعتبر فيها «حماس»، وما يسمى «حزب الله» اللبناني «أصدقاء». ونفى كوربن تأييد المجموعتين، واتهم المحافظين بـ«التشويه الممنهج لصورة» خان، وحث كاميرون على معالجة العنصرية «المتأصلة» في صفوف حزبه. وأكد كوربن أن «معاداة السامية ليس لها مكان في حزبنا، ولا في مجتمعنا». وفي اسكوتلندا، انتزع الحزب القومي الاسكوتلندي 63 من أصل 129 مقعدا، متراجعا عن الـ69 مقعدا التي فاز بها في 2011، وعن 71 مقعدا وفق آخر الاستطلاعات. وحقق الحزب القومي الاسكوتلندي المؤيد للاستقلال فوزا محدودا في الانتخابات البرلمانية في اسكوتلندا، بخسارته أكثريته المطلقة، في حين حل المحافظون ثانيا، وتلاهم العماليون الذين أصبحوا قوة المعارضة الرئيسية. وكانت نيكولا ستورجن، زعيمة الحزب القومي الاسكوتلندي التي تتمتّع بشعبية عالية، قد أعلنت قبل صدور النتائج أن حزبها حقق فوزا «تاريخيا»؛ لأنها الانتخابات الثالثة على التوالي التي يفوز بها الحزب. لكن الحزب المؤيد للاستقلال عن بريطانيا ليست لديه الأغلبية لتشكيل حكومة بمفرده، وسيتعين عليه الاعتماد على دعم الأحزاب الصغيرة، مثل الخضر (6 مقاعد) في مواجهة المحافظين الذين انتزعوا 16 مقعدا إضافيا، فحققوا بذلك نتيجة أفضل مما حققوه في 2011. وبات مجموع نوابهم 31. وقد يؤدي هذا الانتصار المحدود للحزب القومي الاسكوتلندي إلى تبريد مطالب الاستقلاليين، ما لم تصوت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء حول هذه المسألة في 23 يونيو (حزيران). وسحق المحافظون الاسكوتلنديون بزعامة روث ديفيدسون، التي تتمتع بشخصية محببة، حزب العمال الذي خسر في معقله السابق 13 مقعدا، وبات عدد نوابه 24. لكن الخبير الانتخابي، جون كورتيس، من جامعة «ستراثكلايد»، قال في تصريح لإذاعة «بي بي سي»، إن أولى نتائج الانتخابات الإقليمية والمحلية التي أجريت في مناطق أخرى «ليست سيئة كثيرا بالنسبة لحزب العمال كما توقعت استطلاعات الرأي». ففي ويلز، فاز حزب العمال بـ29 مقعدا من أصل 60. مقابل 30 في 2014. أما «حزب الاستقلال» (يوكيب)، الداعي للخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد فاز لأول مرة في برلمان إقليمي بحصوله على 7 مقاعد في برلمان ويلز. وفي 81 من أصل 124 بلدية نشرت نتائجها حتى وقت كتابة هذه السطور، احتفظ حزب العمال بـ42 بلدية وخسر واحدة، أما الحزب المحافظ ففاز في 20 بلدية. وتابع نتائج هذه الانتخابات عن كثب قسم من أعضاء وأنصار حزب العمال الذين يبحثون عن ذريعة للتشكيك في قيادة زعيمه جيريمي كوربن؛ لأنهم لم يستوعبوا بعد إعادة انتخابه رئيسا للحزب في سبتمبر (أيلول)، ويعتبرونه غير كفؤ لقيادته للفوز بالانتخابات التشريعية في 2020.
مشاركة :