مما لا شك فيه أن التقنيات الحديثة قد ساعدت الإنسان في التغلب على الكثير من المعضلات والمشكلات التي واجهته في تيسير سبل حياته وأعماله، والعالم كله ينظر لهذه التقنيات وخاصة الذكاء الاصطناعي بأنها هي المخلص الأوحد من الفوضى والعبثية التي تنتج عن أعمال البشر، فنحن ندمر حياتنا ومن ثم نخترع ما يحاول العودة بها لطريق الصواب. منذ ظهر الذكاء الاصطناعي والعالم كله في تخوف خاصة العاملين في بعض المهن التي يمكن الاستغناء عنهم بسهولة، وتسابقت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في بث الرعب والخوف في نفوس هؤلاء البشر، بل وصل الأمر إلى اتجاه بعض الحكومات إلى إلغاء مسارات وتخصصات علمية بعينها والعوض عنها باستخدام أجهزة وبرامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي. لم يرفع الإنسان رايته البيضاء أمام تلك التقنيات والأجهزة حتى الآن، فهي رغم تطورها السريع، ورغم اعتمادها على التعلم الذاتي؛ إلا أن المعرفة التي تعتمد عليها هي المعرفة المدخلة لها من قبل الإنسان، ومما يثير الدهشة تغاضي هؤلاء الُمسيرين في فلك الذكاء الاصطناعي أن الخبرة الإنسانية لا يمكن تمثيلها في برمجيات. في العديد من المهن، مثل الطب والتعليم والاستشارات، تلعب العواطف والتفاعل الإنساني دورًا كبيرًا في اتخاذ القرارات. الذكاء الاصطناعي قد يساهم في تقديم معلومات دقيقة وسريعة، لكن لا يمكنه استبدال التفاهم العميق والقدرة على قراءة المشاعر. الخبرة الإنسانية تمنحنا القدرة على الاتصال مع الآخرين بطريقة تتجاوز مجرد تبادل المعلومات. فما يتم نقله إلى هذه الأجهزة والبرمجيات هو المعرفة والمعلومات، أم الخبرات فهي تظل حبيسة الجسد البشري، تنتقل من فرد إلى أخر بالمشاهدة والملاحظة، لذا فقارب النجاة من فخ هذه التقنيات هو الخبرات، فكلما زادت خبرة الفرد زادت قيمته المهنية مقارنة ببديله الإلكتروني، وهذا هو المنجى الوحيد من وجهة نظري للهروب من فخ هذه العبثيات التقنية. يعد الإبداع هو أحد المجالات التي تميز البشر عن الآلات. بينما يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة البيانات واستخدام الأنماط السابقة، فإن القدرة على التفكير خارج الصندوق وتوليد أفكار جديدة تتطلب خبرة وتجربة إنسانية. هذه المهارات لا يمكن برمجتها، بل تتطور عبر الزمن من خلال التجارب والتفاعل مع العالم. كما تعد القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في بيئة العمل أو الحياة اليومية هي سمة بشرية مهمة، فالذكاء الاصطناعي يعتمد على نماذج سابقة، مما يجعله أقل مرونة في مواجهة مواقف جديدة أو غير متوقعة بينما الخبراء الذين يمتلكون خبرة واسعة يمكنهم التكيف بسرعة وتقديم حلول مبتكرة للمشكلات. نحن صنعنا الوحش التقني، وعلينا أن نجد طريقة لترويضه من خلال الخبرة والخبرة فقط، فالذكاء الاصطناعي هو أداة قوية يمكن أن تُسهم في تحسين حياتنا، لكن لا يجب أن ننسى أهمية الخبرة الإنسانية. إن تعزيز هذه الخبرة هو السبيل الوحيد لتجنب الفورة التقنية المتطورة بسرعة تفوق سرعة الإنسان على استيعاب تقنيتها الحديثة في وقت قصير، وردم الفجوة البشرية التي يمكن أن تطرأ نتيجة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا. يجب علينا أن نستمر في تطوير قدراتنا البشرية، ونتذكر أن المعرفة ليست مجرد معلومات، بل هي تجربة وحكمة تُكتسب عبر الزمن، وأنه مهما اخترعت من أجهزة أو برمجيات؛ سيظل الإنسان هو السبب الوحيد في ظهورها بعد الله تعالى.
مشاركة :