باريس- باتت شركات التأمين مضطرة إلى تغيير أساليب عملها في ظل تزايد الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيّر المناخي، إذ لم تعد تستطيع الاكتفاء بتحليل الأحداث الماضية، بل يُفترَض أن تسعى إلى اكتساب مهارات جديدة في مواجهة المجهول. ويوضح مدير إعادة التأمين والمخاطر الطبيعية في شركة جنرالي سيمون بلاكيير أن “النهج الكلاسيكي الذي تتبعه الشركات يقوم على إنتاج الإحصائيات، والنظر في ما حدث في الماضي، حول هذه الخسائر التي دفعنا تعويضات عنها، وإعادة إنتاج ذلك في المستقبل”. وتوظف شركات القطاع خبراء في التخمين يستخدمون الرياضيات والإحصاءات والبيانات لصياغة المستقبل بطرق تساعد الشركات على إدارة التأثير المالي للمخاطر التي تؤمّنها. ويشرح فريديريك دو كورتوا، نائب المدير العام لشركة أكسا الفرنسية للتأمين، بالقول “لقد كان دور شركة التأمين دائما تاريخيا هو الاعتماد على الماضي، أي على التاريخ، وعلى البيانات”. فريديريك دو كورتوا: يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل ونحاول التنبؤ به فريديريك دو كورتوا: يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل ونحاول التنبؤ به وأشار إلى أنه من الواضح أن هذا لا يزال مهمّا “ولكن اليوم أصبحت التغييرات كبيرة بحيث يجب علينا أن ننظر إلى المستقبل ونحاول التنبؤ به”. ويضيف “نعيش في عالم متعدد الأزمات”، أي “ثمة تضاعف في الأزمات وترابط في ما بينها”. وللتصدي لها، يتمثل أحد الحلول في “الاستثمار بشكل متزايد في رأس المال البشري والمهارات الجديدة: مع خبراء الأرصاد الجوية، وعلماء الاجتماع، وخبراء في مجالات مختلفة”. من جانبها، أنشأت الشركة الإيطالية جنرالي في فرنسا سنة 2015 ما أسمته “مختبر جنرالي للمناخ”، بهدف “مراقبة أفضل، وفهم أفضل، وتحليل أفضل، ومنع مشاكل المناخ بشكل أفضل”، وفق بلاكيير الذي يدير هذا المختبر أيضا. ويضم المختبر فريقا متعدد التخصصات يتكون من حوالي عشرة أشخاص، بما يشمل “وظائف كلاسيكية للتأمين مع خبراء تخمين، وعلماء بيانات لمعالجة البيانات”، بحسب بلاكيير. ولكن لديها أيضا “عدد أكبر من أصحاب المهارات العلمية حول علوم المناخ: علماء هيدرولوجيا، ومهندسون هيدروليكيون، ورسامو خرائط”. وتشمل الاختصاصات، وفق بلاكيير، حتى العلوم السياسية، لأشخاص “تمكنوا من العمل في الإدارات”. وقد وظّفت شركة إعادة التأمين الألمانية ميونيخ ري التي تؤمّن شركات التأمين وهي من بين الأكبر في السوق العالمية أول خبير أرصاد جوية لها في عام 1974. وتوظف الشركة اليوم حوالي 30 خبيرا، مقسمين حسب نوع المخاطر، مثل العواصف والزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى، على ما يوضح توبياس غريم، خبير المناخ في الشركة. وقال غريم لوكالة فرانس برس “وظيفتي، جنبا إلى جنب مع زملائي، هي تقييم المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم”. وأضاف في الواقع، يعني ذلك “أننا نضع سعرا لهذه المخاطر سواء كان ذلك ثورانا بركانيا، أو انهيارا أرضيا، أو جفافا، أو إعصارا. ويجب علينا تصنيف هذه المخاطر وتحديد حجمها”. وتابع “هذا يشكل الأساس لخبراء التخمين الذين يدمجون هذه المعلومات في نماذج المخاطر، وهذا سيحدد في النهاية السعر الذي يراه الزبون في عقده”. وتقدر شركة سويس ري أن “الزيادة في قيم التأمين على الجانب السكني ارتفعت من 8 إلى 20 في المئة وتحتاج شركات التأمين إلى شراء المزيد من التغطية”. وفي عام 2023، وصل إصدار سندات الكوارث إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 16.4 مليار دولار، بما في ذلك المعاملات غير العقارية والخاصة، وفقا لشركة آرتميس، التي تتتبع سوق الأوراق المالية المرتبطة بالتأمين. حخ ويعتقد دو كورتوا أن هذه المهارات الجديدة ليست مهمة لنا فحسب لنكون قادرين على توظيفها، ولكن التعاون بين هذه المهارات المختلفة عنصر أساسي. ويظل خبير التخمين مهمّا للغاية، ولكن الأهم من ذلك “هو جمع الجميع حول الطاولة ليكونوا قادرين على التحليل والحصول على رؤية مستقبلية”، وفق نائب الرئيس التنفيذي لشركة أكسا. وتعتمد شركات التأمين وإعادة التأمين أيضا على البحث الأكاديمي. ويذكّر دو كورتوا بأن صندوق أبحاث أكسا “يسمح لنا أيضا بالوصول إلى أحدث الابتكارات، وإلى عمل الجامعات والباحثين، وفهم كيف ستتطور هذه المخاطر، وكيف ستتغير مهنتنا”. وفي ميونيخ ري أيضا “نحن بالطبع نعمل بالتعاون الوثيق مع العالم الأكاديمي”، بحسب غريم الذي يوضح أن “العديد من الجامعات وطلاب الدكتوراه والأساتذة يبحثون في جوانب مختلفة من الكوارث الطبيعية”. وقال “نحن على اتصال بالعديد منهم، ونتعاون في مشاريع بحثية وندمج هذه المعرفة في نماذجنا”. ويضم مختبر جنرالي المناخي ثلاثة طلاب دكتوراه يعملون على التوالي في مجال الجفاف، وتأثير العواصف، ونمذجة البرد.
مشاركة :