بمناسبة نشر تقريره السنوي حول آفاق الاقتصاد العالمي، أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه أيضا من ارتفاع انعدام اليقين على الصعيد العالمي بسبب تصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية على حد سواء ومن بينها احتمال أن يسجل النشاط الاقتصادي الصيني مؤشرات ضعف إضافية. وقال كبير خبراء الاقتصاد في الصندوق بيار-أوليفيه غورينشاس خلال مؤتمر صحافي "يشمل ذلك مخاطر تصعيد في نزاعات إقليمية ولا سيما في الشرق الأوسط ما قد يلقي بثقل كبير على أسواق الطاقة. لكن ثمة أيضا انعطافة واضحة على صعيد السياسة الصناعية والتدفقات التجارية التي قد تؤدي إلى خفض التوقعات". ومن المخاطر الأخرى تداعيات "تراجع أعداد المهاجرين في الاقتصادات المتقدمة ما قد يؤثر" على أسواق العمل والتضخم فضلا عن "تشديد مباغت في الشروط المالية العالمية" في حال لم تتدارك المصارف المركزية بسرعة كافية التباطؤ في التضخم في سياساتها النقدية. نتيجة لذلك، تبقى توقعات النمو ضعيفة على الصعيد العالمي في استمرار لما هو مسجل في السنوات الأخيرة فيما حذرت المديرة العامة للصندوق كريستالينا غيرغيوفا مرات عدة من أن النشاط الاقتصادي العالمي يمر بأضعف عقد منذ فترة طويلة. لكن المؤشرات ليست كلها سلبية، فصندوق النقد الدولي يرى أن تراجع التضخم إلى الهدف المحدد والمتمثل بنسبة 2 % في الاقتصادات الرئيسية يشكل نتيجة إيجابية أتت بفضل جهود البنوك المركزية. وشدد غورينشاس على أن "التقدم المسجل على صعيد التضخم كان أكبر في الاقتصادات المتطورة القريبة من هدفها، مقارنة بالأسواق الناشئة أو النامية حيث رصدنا تفاوتا أكبر على جبهة التضخم". ورأى صندوق النقد الدولي أن بعض الدول تنجح في ذلك أفضل من غيرها وفي مقدمها الولايات المتحدة التي ستنهي السنة على نمو بنسبة 2,8 %، على أن يتراجع المعدل بشكل طفيف في 2025 إلى 2,2 %، أي اكثر مما كان متوقعا في تموز/يوليو الماضي (1,9 %). وقال غورينشاس "بتنا قريبين" من عودة الاقتصاد الأميركي إلى وضع طبيعي بهدوء "فالاستهلاك يسجل مستويات جيدة فيما يستمر التضخم بالتراجع". تباطؤ في الدول الناشئة سيؤدي ذلك إلى توسع الفارق مع منطقة اليورو التي ستستمر بتسجيل نمو بطيء مع تحسن وإن طفيف متوقع في 2025 بحدود 1,2 % في مقابل 0,8 % في 2024. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أكبر اقتصاد في هذه المنطقة، أي ألمانيا التي ستكون نسبة النمو فيها معدومة في 2024 بعد ركود طفيف العام الماضي. وستعود لتسجل نموا ضعيفا في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0,8 % في 2025 مع تخفيض طفيف مقارنة بتوقعات تموز/يوليو التي كانت 1,3 %. خلافا لألمانيا يبقى الوضع في فرنسا مستقرا بشكل لافت، مع توقع نمو نسبته 1,1 % في 2024 و2025 على غرار 2023 بحسب صندوق النقد الدولي. وتبقى إسبانيا المحرك الجديد لمنطقة اليورو مع توقع تسجيلها نموا نسبته 2,9 % خلال السنة الراهنة و2 % في 2025. وفي صفوف الدول الناشئة سيبقى الوضع متفاوتا مع استمرار الصين بتسجيل مؤشرات تباطؤ والهند التي رغم أنها تنحو بالاتجاه نفسه إلا انها ستسجل النمو الأكثر استدامة بين الاقتصادات الكبرى. ولا تشمل توقعات صندوق النقد الدولي خطط بكين الأخيرة الهادفة إلى تحفيز الاقتصاد، لذا لا ينتظر أن تحقق بكين هدف النمو المتمثل بنسبة 5 % في 2024 و2025 مع توقع تسجيل 4,8 % و4,5 % تواليا. وشدد غورينشاس "يجب أن تعرف الصين كيف تفعل محركات النمو الداخلي وإيجاد السبل لتحفيز النمو المستدام بفضل الطلب الداخلي ولا سيما من خلال توفير حماية اجتماعية لتحرير جزء من المدخرات". أما في روسيا، فتدعم النفقات العسكرية الاقتصاد الذي لا يزال يعاني من تداعيات العقوبات الغربية. وسيسجل الاقتصاد الروسي نموا نسبته 3,6 % في السنة الحالية لكنه سيتباطأ بشكل كبير إلى 1,3 % في 2025.
مشاركة :