تجلت صفات القيادة عند ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرؤية الاقتصادية 2030 التي طرحها، ولعل أولى هذه الصفات القيادية النظرة الثاقبة للمستقبل والشمولية التي تحيط بكل جوانب التطور في الدولة السعودية، وربط الحاضر بالماضي والثوابت بالمتغيرات، حيث تجعل من عملية التطور والنماء للدولة عملية ديناميكية مستمرة بكل جوانبها الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، لا تتوقف عند حدّ معين ما دامت ظروف الحياة في تطور مستمر، نظرة كهذه لا يطلقها إلا مبدع ولا عجب فالأمير محمد بن سلمان نشأ في بيئة ثقافية ودينية ووالده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ظل لسنوات طوال كأمير للرياض، العاصمة التي يصنع فيها القرار السعودي، كل هذه العوامل والمؤثرات كونت شخصية قيادية بالمعنى الشامل للقيادة وهو في سنوات مبكرة من عمره. وإذا ما عرجنا إلى تحليل هذه الرؤية المستقبلية 2030، فهي تبدأ من الثوابت الجيوسياسية الدينية ثم تدخل في المداخل ذات الخصوصية، فهي كـ«خريطة طريق»، كما قال عنها. ولعل هذه الثوابت التي بدأ منها هي ثوابت راسخة الجذور قل ما توجد في دول أخرى، ولعل أول هذه الثوابت الراسخة كرسوخ الجبال أن المملكة العربية السعودية من أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من بليون مسلم في العالم من أقصاه إلى أدناه، حيث تحتضن الحرمين الشريفين ويحج إليهما المسلمون سنويًا من كل بقاع الأرض. ومن الثوابت أن المملكة العربية السعودية تمتلك قدرات استثمارية هائلة أهمها النفط، ويعتبر المورد الرئيسي لاقتصاد المملكة، ويشكل ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط وكذلك المعادن. وثالث هذه الثوابت أن السعودية بوابة للعالم بما تمتلك من موقع استراتيجي، حيث هي مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية. ورغم أهمية هذه الثوابت الراسخة، فإن أهمية هذه الرؤية (2030) التي طرحها الأمير محمد تنبع من أنها تمثل استراتيجية ترتقي بالمملكة في المستقبل إلى مصاف الدول الكبرى في العالم، وذلك لأنها لا ترتكز فقط على الموارد الطبيعية كالنفط وهو مورد غير متجدد، إنما جعلت محور هذه الاستراتيجية هو الإنسان السعودي، فهو المورد المتجدد، فيقول الأمير محمد بن سلمان: «تأتي سعادة المواطنين والمقيمين على رأس أولوياتنا، وسعادتهم لا تتم دون اكتمال صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية، وهنا تكمن أهمية رؤيتنا في بناء مجتمع ينعم أفراده بنمط حياة صحّي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذب». وبناء الإنسان يتم من مرحلة الشباب، وهنا تركز هذه الرؤية على دور التعليم لبناء الإنسان، ذلك التعليم المتميز الذي ينظر إلى بناء هوية الطالب الثقافية والوطنية وانتمائه لمجتمعه، قبل أن يكون تعليمًا مهجنًا بثقافات غربية، ويقول في هذا الشأن: «سنرسخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا عن طريق تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها، مما يمكّن المدرسة بالتعاون مع الأسرة من تقوية نسيج المجتمع، من خلال إكساب الطالب المعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة، ليكون ذا شخصية مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة، ولديها القدر الكافي من الوعي الذاتي والاجتماعي والثقافي، وسنعمل على استحداث مجموعة كبيرة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتطوعية والرياضية عبر تمكين المنظومة التعليمية والثقافية والترفيهية». ولا ينسى لتحقيق هذه المهمة إشراك الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع ودورها في تربية الأبناء كدور رئيسي لا يتطور المجتمع إلا به، فيقول الأمير في هذه الرؤية: «الأسرة هي نواة المجتمع، إذ إنها تمثل الحاضنة الأولى للأبناء، والراعي الرئيسي لاحتياجاتهم، والمحامي للمجتمع من التفكك. ولعلّ أبرز ما يميّز مجتمعنا التزامه بالمبادئ والقيم الإسلامية، وقوة روابطه الأسرية وامتدادها، مما يحثّنا على تزويد الأسرة بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها وتنمية ملكاتهم وقدراتهم. ولنصل إلى هذه الغاية، سنعمل على إشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية، كما سنعمل على مساعدتهم في بناء شخصيات أطفالهم ومواهبهم حتى يكونوا عناصر فاعلة في بناء مجتمعهم، وسنشجع الأسر على تبني ثقافة التخطيط بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لها». ويطرح الأمير في هذه الرؤية قضية في غاية الأهمية، وهي أن يكون المجتمع السعودي بيئة جاذبة للكفاءات الوطنية والأجنبية، فيقول: «هدفنا هو تهيئة البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار كفاءاتنا البشرية واستقطاب أفضل العقول في العالم للعيش على أرضنا، وتوفير كل الإمكانات التي يمكن أن يحتاجوا إليها، بما يسهم في دفع عجلة التنمية وجذب المزيد من الاستثمارات». وبعدها يعطي الأمير في هذه الرؤية أهمية الموارد الأخرى التي لا تقل أهمية عن النفط، ويعطي تفصيلاً في هذه الموارد التي تنعم بها المملكة، والتي لم تستغل بعد. أهمية هذه الرؤية كذلك تنبع من أنها تعطي قدرًا كبيرًا من التفاؤل للمستقبل، واستطاع الأمير أن يختصر الزمن للسعودية في مسيرتها. وفي رأيي الخاص أن المكاشفة والشفافية والوضوح في هذه الرؤية، هو ما أعطاها زخمها وصيتها في العالم. ختامًا أستطيع أن أقول إن هذه الرؤية قد نقلت، ليس السعودية فقط، إنما العالم العربي، من مرحلة المثاليات في العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى مرحلة الواقعية التي نحن بحاجة لها كعرب.
مشاركة :