نقرأ كثيراً عن مصطلح «الحكومات الشابة»، الذي يستخدم كإشارة لمتوسط عمر القادة، ودوره في تحقيق ديناميكية العمل، وإحداث التغيير المتوافق مع العصر، وهي حقيقة ثابتة إلا أنني أعتقد أن شباب الحكومة يمكن أن يكون مرتبطاً بشكل أكبر بقدرتها على اتخاذ القرارات الإستراتيجية في وقتها، وتنفيذها بكفاءة، ورفع معدل الإنتاجية، والقدرة على التواصل السريع، إضافة إلى العمل المؤسسي المنظم الذي يعطي الصلاحيات مع استمرار المراقبة والتقييم، ويضمن بإذن الله استمرارية العمل المنهجي الذي لا يتغير بتغير الأشخاص، بل يمضي في طريقه نحو تحقيق الأهداف المرسومة من قبل الحكومة بمستوياتها الثلاث: القصيرة، المتوسطة، وطويلة المدى. قد يرتبط مفهوم «الحكومة الشابة» وديناميكيتها بالمكننة والحوكمة وتطبيق نظريات الإدارة والاتصال الحديث. فالحكومة الإلكترونية قادرة على التحرك بسرعة الضوء دون تعقيدات إدارية، وفق منظومة اتصال متكاملة مرتبطة بمعايير إدارية وأنظمة تحكم العمل وتسهم في قياس الأداء، وتعزز النزاهة وتضمن مكافحة الفساد. تبنّي الحكومة لنظامٍ إلكتروني شاملٍ يُسهم في ربط مؤسساتها ببعض، وربط خدماتها بالمنشآت الخاصة وعامة الشعب، وطرح المعلومة وإيصالها في وقتها يساعد على ترسيخ الشفافية، واختصار الزمن، وضمان الدقة وجودة الخدمات وكفاءة الأداء. وإذا كانت أهمية الحكومة الإلكترونية ظاهرة في الإدارة بشكل عام فهي في الإدارة المالية أكثر أهمية وإلحاحاً، ومن خلالها يمكن القضاء على الفساد المالي، وضمان الحقوق، وقياس الجودة والالتزام بالوقت المحدد سلفاً للمدفوعات الحكومية. سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكد في بعض تصريحاته الصحفية أن «ترشيد الأداء الحكومي يمثل أهمية كبيرة لمساعدتنا في محاربة الفساد، الذي يعد واحدًا من تحدياتنا الرئيسية». أجزم أن الحكومة الإلكترونية قادرة على تحقيق ذلك الهدف من خلال الركائز الثلاث: المسائلة، والمرونة، والحكم الرشيد. الفساد جزء متأصل في النفس البشرية إلا من رحم ربي. قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» عَلِمَ الملائكة بما علمهم الله أن بني آدم سيفسدون في الأرض، وهذه دلالة على حتمية وجود الفساد بأنواعه المختلفة مع وجود البشر، ما يجعل هدف الحد منه وتقليصه إلى مستوياته الدنيا من أولويات الحكومات. قد تكون «الحكومة الإلكترونية» من أدوات مكافحة الفساد، والحد من العلاقات المشبوهة، أو استغلال المنصب، عوضاً عن أهميتها القصوى لتحقيق هدف الإصلاح الإداري، وتحسين جودة الاتصال والخدمات وتوفيرها للجميع في وقت واحد. تسهم الحكومة الإلكترونية أيضاً في فتح أبواب التواصل العام بما يعزز المصداقية والقدرة على المساءلة ونشر السياسات الاقتصادية الكفؤة. المملكة أشبه بقارة مترامية الأطراف، تتنوع فيها المؤسسات الحكومية وتتعدد حتى يصبح هدف ضبطها وربطها ببعضها البعض أمراً مستحيلاً إلا مع وجود النظام الإلكتروني الذي يجمع الإدارات المتناثرة في بوتقة واحدة. فالحكومة الإلكترونية قادرة على إلغاء الحواجز الجغرافية بين المواطنين والحكومة، وتحقيق التكامل بين الوزارات، وخلق قاعدة بيانات حكومية تحقق الكفاءة والجودة والرقابة في آنٍ، إضافة إلى ربط الأطراف المختلفة بشبكة واحدة تجعلهم قادرين على التواصل اللحظي دون تعقيد. «رؤية المملكة2030» في حاجة ماسة إلى توفير متطلبات نجاحها، وأزعم أن تطبيق «الحكومة الإلكترونية» أحد أهم متطلباتها الرئيسة إن لم تكن قاعدتها الأساسية. لم تغفل «رؤية 2030» الحكومة الإلكترونية؛ حيث تعتبر جزء رئيساً منها، إلا أن البدء بها يضمن بإذن الله تحقيق أهداف كثيرة من خلالها، وبخاصة ترشيد الأداء الحكومي، ورفع الإنتاجية، والقياس، وتعزيز النزاهة وتوفير الخدمات المتميزة للمواطنين. التحول للخدمات الإلكترونية أسهم بشكل كبير في تطوير خدمات وزارة الداخلية حتى أصبحت في مقدمة الوزارات الحكومية استعداداً للمستقبل. بل أصبحت تقدم الخدمة لمن يفترض فيهم تقديمها للوزارة والمواطنين وهي شركات الاتصالات. عندما علقت شركات الاتصالات في استيعاب المشتركين الباحثين عن ربط أرقام هواتفهم بالبصمة، وتعطلت خوادم أنظمتهم، لم يجدوا إلا نظام «أبشر» لتجاوز تلك المعضلة. ما أود قوله أن نظام «أبشر» لم يعد مرتبطاً بالداخلية بل أصبح يوفر قاعدة بيانات آمنة، وشبكة اتصالات متقدمة تسهم في تحقيق أمن الوطن وتقدم خدمات إلكترونية متقدمة للوزارات الأخرى. الأمر عينه ينطبق على بعض الأنظمة الإلكترونية الأخرى، كنظام التأمينات الاجتماعية، وزارة التجارة والاستثمار، الهيئة العامة للاستثمار. وعلى الرغم من عدم ارتباطها في منظومة اتصال وطنية شاملة إلا أنها قادرة على توفير البيانات المهمة، عوضاً عمّا تحققه من جودة في الخدمة وتعزيز للنزاهة وخدمة ميسرة للمواطنين. الربط بين وزارة العدل، الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك أسهم في إنجاز الأحكام وإنهاء القضايا المالية، وتحسين أداء المؤسسة العدلية والوثوق بها، وأسهم في كشف تجاوزات وأخطاء لم تكن الجهات الحكومية قادرة على كشفها بالطرق التقليدية. تجارب بعض المؤسسات الحكومية المتميزة في الأنظمة التقنية الحديثة تدفعنا لتطبيق «الحكومة الإلكترونية» في أسرع وقت، وجعلها من أولويات برامج «رؤية 2030» التي ستعتمد عليها جميع البرامج الأخرى. تحقيق أهداف الرؤية يمر من خلال «الحكومة الإلكترونية» القادرة على معالجة شيخوخة بعض المؤسسات الحكومية، وإعادة الشباب لها من خلال «ترياق» الشبكة الوطنية، ونظام الإدارة الحكومية الإلكترونية. مقالات أخرى للكاتب 2030 وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية «4» 2030 القطاعات الجاهزة والكفاءات المهاجرة «3» 2030 وزارة الصناعة والغرف الصناعية "2" 2030 التحول الإداري 1 أحلام «الرؤية» وإدمان النفط
مشاركة :