قصتان حُوريةُ البَحرِ

  • 5/10/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يُحكى أن زوجي قبل أن يتزوجني جلس قُبالة الشاطئ فوق صخرةٍ مرتفعة على الرمال الناعمة الدافئة، مُشبِّكاً يديه حول ساقيه المثنيتين، ناظراً إلى البحر العميق المُمتد، مستنشقاً هواءه البارد ذا الرائحة الزفرة الفريدة. يسمعُ صوتَ الموج يضرب الصخر. يسمعُ صراخ طيور النورس في دورانها من ارتفاعٍ إلى ارتفاع وتحليقها من مكانٍ إلى مكان باحثةً عن طعامٍ أو سكن. تلفحهُ نسائم باردة تحمل رذاذاً مالحاً يترسبُ على شفتيه. يسرح في الملكوت. وفجأة، أطلعُ أنا من البحرِ حورية. بنتُ البحرِ العظيم والأفق الممتد. بنتُ العمق المليء بالأشكال والأحجام. يطلبُ يدي من البحر، ويتزوجني. أنا كنتُ حورية البحر. لا عاد هناك بحر، ولا حوريات. لا أصداف ولا كثبان رملية ولا شَفَق ولا نسائم ولا نوارس. تحوَّل كل ذلك إلى كتلٍ أسمنتية، شقق صلبة تنتصبُ بالطولِ وبالعرض، أوراق مالية، عقود تمليك، حسابات، عُملات محلية ودولية، خلافات بعلوّ العمارات الشاهقة في صحراء العاصمة. بدأ زوجي، الرجل الجالس على البحر الأسمنتي، يسفسط، يلغو، يسب ويضرب بعنف. نام كل منّا على طرف فراش، أنا في الصلحِ وفي الخصام البادئة بالحديث، بممارسة الحب، بالتدليل، حتى وقعت الواقعة. تُيّمت بأرنست همنغواي. أخبرتُ زوجي أنني أعشق «موبي ديك»، وبعدئذٍ اكتشفُ أنني إحدى غانيات ماركيز... عندئذ انهار وسقط على الأرض، ثم نعتني بكل الشتائم البذيئة. كنا قد رحلنا سوياً إلى بلاد الواق واق، حيث الياقوت والذهب والمرجان من دون حياة أو مُثيرات أو مُفرحات للنفوس. كان يخرج إلى مجالس مصطنعة نحاول فيها البحث عن الوطن مع أصدقاءٍ اضطراريين، في بلدٍ موقت... ذات ليلة أحسستُ بوحشة. نام الأولاد وتركوني. وددتُ لو لم يخرج. أردتُ أن يؤنسني. أن يدفئني بوجوده. لكنه ذهَب. طلبتُ منه العودة، فغابَ. غلبتنِي الوحدة، فتواصلتُ مع رجلٍ يملأ عقلي ووجداني، يملأ فراغات روحي ويجسد الوطن الزاخر البعيد المختلف المشحون بالمتناقضات. فاجأني بالسؤال: - مع من كنت تتواصلين؟ مع السيد أحمد عبدالجواد؟ إذاً، فأنا قوَّاد وأنت إحدى نساء السيّد؟ طربت للوصف في شكلٍ ما، على رغم رفضي نعتِ نفسه بالقوادة، قلتُ: لا... أنا ما أنا عليه امرأة مشتاقة محرومة مختلفة عنك. صرخ مختلقاً الغضب في مشهدٍ مُصطنع. أين أنا من السيد أحمد عبدالجواد؟ حي وحيوي. رجل مبادئ ومزاج يعيش حياته بكل ازداوجيتها بوضوح من دون خوفٍ من افتضاح، أما أنت فلا تتمكن إلا من حياةٍ واحدة مستقيمة عاجزة. دائماً هناك فجوة. شيء ناقص. مرتبك، رخو، خائر ضعيف. أنت مُطارد بإحساسٍ خفي بالضآلة. قام ليحطم أثاث الشقة وزجاجها، يصرخ في صوتٍ عالٍ، يخبط بقبضة يده على الجدران حتى تدمي، يعوي، يُطأطئ رأسه، يكلِّم نفسه في الطريق إلى خارج البيت: - استبداد لا أملك مقوماته وخضوع تام من المستحيل أن تقدمه. *** قررتُ العودة إلى البحر، حورية، أنصتُ لحكايات عبدالله البحري وعبدالله البري. قـررتُ أن أكتـب عـن أميـرة شبَّهت حبَّها له بالملح، وعـن السيَّـاف الذي قـطع الآمـال كلها بضربةٍ واحدة.

مشاركة :