عندما تنسحب منظمة أطباء بلا حدود من قمة العمل الإنساني

  • 5/10/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شهد هذا الأسبوع حدثين مهمين في مجال العمل الإنساني على الساحة الدولية: فمن جهة اعتمد مجلس الأمن، وللمرة الأولى، قراراً يقضي بضرورة حماية العاملين في المجال الطبي والإغاثي في مناطق الطوارئ، مذكراً الدول والمجموعات المنخرطة بالنزاعات المسلحة بالتزاماتهم وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تنص صراحة على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات لتجنب استهداف المدنيين، والعاملين في مجال الإغاثة ومنشآتهم أثناء القتال. من جهة أخرى، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن انسحابها من قمة العمل الإنساني، وهو أكبر ملتقى لكل المؤسسات والأفراد العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، والمزمع عقده في تركيا نهاية الشهر الحالي، حيث برّرت انســـحابها بما وصفته تدهوراً غير مسبوق لسلامة العاملين في مجال الإغاثة، حيث تمّ توثيق استهداف مواقع تحمل دلالات واضحة على أنها مراكز طبية ومستشفيات. الحدثان غاية في الأهمية لما لهما من تبعات حول إمكانية وصول من هم في حاجة إلى المساعدة إلى مكان آمن يجدون فيه استجابة لحاجتهم، كالمستشفيات ومراكز توزيع الأغذية والمراكز الصحية التي توفر اللقاح والخدمات الطبية عموماً، ومنها طبعاً المراكز الصحية الخاصة بالنساء، سواء مراكز الصحة الإنجابية عموماً أو الخدمات الطبية المتعلقة بالحمل والولادة، وبينما ذلك له تبعات مؤلمة وخطيرة على صحة الأمهات والأطفال الحديثي الولادة، فإنه يترك أيضاً آثاراً سلبية بعيدة المدى ستعاني منها المنطقة لسنوات مقبلة لما بعد مرحلة الصراع. فعلى رغم أهمية أن يأخذ أهم محفل سياسي في العالم موقفاً داعماً للمنظمات الإنسانية، إلا أن استهداف المنشآت الطبية أصبح، مع الأسف، أمراً شبه معتاد في الحروب والنزاعات، ولا يقتصر ذلك على المستشفيات التي تستقبل جرحى الحرب، إنما يشمل أيضاً مستشفيات شديدة الخصوصية والاختصاص، كمستشفيات الولادة، كما حدث في حلب مؤخراً على سبيل المثال. وثّقت مراكز الدراسات كيف أن المدنيين، وفي مقدمهم النساء والأطفال هم أكثر من يدفع ثمن الحروب في شكلها الحديث. لكن ما يسقط كثيراً من شاشة مراقبي النزاعات والعمل الإنساني هو ما يحدث للنساء الحوامل اللواتي لا يستطعن الحصول على العناية الكافية إما لعدم توافرها أو لعدم إمكانيتهن الوصول إليها أثناء الطوارئ. ففي حديث مع زميلة عادت للتو من جزيرة يونانية تستقبل اللاجئين العابرين للبحر بغية الوصول إلى أوروبا، قالت «لن تتخيّل عدد النساء الحوامل وعدد الأزواج الشباب الحديثي الزواج الذين يصلون إلى الجزيرة، وليس هناك أي إمكانية لإمدادهم بما يحتاجون إليه، سواء من الخدمات الطبية الخاصة بالحمل أو حتى أساليب تنظيم الأسرة التي تحتاجها العائلات ريثما تصل إلى بلد اللجوء». قد يتساءل بعضهم عن أهمية هذه الخدمات في ظل الويلات التي يعيشها الناس سواء أثناء عبورهم للبحر أو حتى حين يكونون في بيوتهم في بلاد تنهشها النزاعات. هل هذا فعلاً وقت التفكير في تنظيم الأسرة أو وقت التوق لرؤية الجنين عبر السونار؟ نعم هذا وقته، فحين نعلم أن ما يقرب من 60 في المئة من وفيات الأمهات والأطفال تحدث في الدول التي تتعرّض للكوارث، حتى في بلاد كان فيها معدّل وفيات الأمهات والأطفال معقولاً قبل الكارثة، نفهم سرعة تدهور حال هذه الفئة المجتمعية إن لم تحصل على الخدمات المطلوبة، فمعظم الوفيات الناتجة من المخاض والولادة أثناء حالات الطوارئ يمكن تفاديها بسهولة إن توافر حتى الحد الأدنى من العناية الطبية. يسهل تجاهل احتياجات الصحة الإنجابية أثناء النزاعات والكوارث الطبيعية وغيرها من حالات الطوارئ، لكن عادة ما تكون هذه الاحتياجات كبيرة وهائلة. ففي الأزمات، يُرجّح أن تكون سيدة من كل خمس سيّدات في سن الحمل حبلى. لذا ففي غياب خدمات الصحة الإنجابية، ستواجه هؤلاء النساء خطراً متزايداً بمضاعفات تهدّد حياتهن. كما يفقد الكثير من السيدات الصلة ببرامج تنظيم الأسرة ويتعرض من ثم لحالات حمل غير مرغوبة في ظل ظروف تتّسم بالقسوة والخطورة. من هنا تأتي أهمية إدراج هذا الجانب من الخدمات الطبية ضمن باقة المساعدات الإنسانية التي تقدمها هيئات الإغاثة، وهو الجانب الذي يقع على عاتق صندوق الأمم المتحدة للسكان، لما للصندوق من خبرة ومسؤولية في مجال الصحة الإنجابية وصحة الأم والجنين. فيعمل على توزيع عقاقير ومعدات الولادة النظيفة بما يساعد في تلافي انتشار العدوى بين السيدات غير القادرات على الوصول إلى منشآت طبية أثناء الولادة، ويوزعها أيضاً على المستشفيات العامة والمراكز الصحية، ويدرّب العاملين فيها على أمور متعلقة برعاية ما قبل الولادة، والولادة الآمنة، ورعاية ما بعد الولادة للأم والوليد، ويدربهم على التوليد في الحالات الطارئة والتصدّي لمضاعفات ما بعد الولادة التي تهدّد الأم والوليد. وقد يساهم الصندوق حتى في تجهيز حجرات ولادة موقتة في مبانٍ متضرّرة عند الحاجة، أو توزيع عيادات صحية متنقلة، أو إمداد القابلات أحياناً بدراجات آلية ليمكنهنّ من التنقل بسهولة. في حالات الكوارث والنزاعات المسلحة، لا تتوقف النساء عن الحمل والإنجاب، لا يتوقف الأطفال عن القدوم إلى الدنيا، ولا يجب أن تتوقف الخدمات التي تساعدهم على البقاء على قيد الحياة. فلنتذكر ذلك ونحن نضمّ صوتنا إلى صوت الدول والمنظمات التي رعت اتخاذ مجلس الأمن قراراً يدعو إلى حماية العاملين في مجال المساعدات الإنسانية والمنشآت الذين يعملون فيها، بما في ذلك مستشفيات الولادة والمراكز الصحية الخاصة بالمرأة والطفل والأفراد العاملين فيها.     * مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية

مشاركة :