هل تفشل استطلاعات الرأي الأميركية مجددًا؟

  • 11/2/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أيام معدودة فقط سيدخل البيت الأبيض رئيس جديد وإدارة جديدة سواء ديمقراطية أو جمهورية، وسوف تبدأ مرحلة جديدة في التعاطي مع الملفات الدولية المعقدة سواء الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، وغيرها. وتحاول كل الأطراف الدولية التنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعادة ما تلجأ هذه الأطراف إلى استطلاعات الرأي العامة الموثوقة لمعرفة أين تتجه الأمور. وعلى الصعيد الداخلي يستخدم الحزبان الجمهوري والديمقراطي نتائج الاستطلاعات طوال الحملات الانتخابية لتعزيز القضايا الرابحة وتحديد الأولويات التي تهم الناخبين للتركيز عليها وتجاهل القضايا التي تنفر الناخبين. ونظرا لتاريخها الطويل في الفشل بالتنبؤ بالفائز الرئيسي في الانتخابات الأميركية، أصبحت نتائجها قبل الانتخابات اليوم مثيرة للجدل داخل الأحزاب وأمام الرأي العام. وعلى الرغم من عمل هذه المؤسسات على ضبط البيانات والبحث عن الناخبين من كلا الجانبين والتوازن في اختيار العينات (الجمهورية والديمقراطية) وطرح أسئلة أكثر شمولية مثل من هو الأفضل في الاقتصاد ومن هو الأفضل في السياسية الخارجية وغيرها، وهي ربما خطوات كبيرة لكنها لم تنجح حتى الآن في اختيار المرشح المفضل للفوز في الانتخابات الأميركية في معظم الدورات الانتخابية. ويتهم الجمهوريون هذه المؤسسات بأنها قللت من نجاحاتهم في معظم الدورات الانتخابية منذ 2004 وحتى انتخابات اليوم باستنثاء انتخابات 2012 بين ميت رومني وباراك أوباما حيث انتصر الأخير وفاز بولاية ثانية. ونظرا للتنافس الشديد جدا في هذه الدورة الانتخابية بين ترامب وهاريس وتقدمه الطفيف في متوسط استطلاعات الرأي أصبحت مؤسسات استطلاعات الرأي حذرة جدا وتوقعت بأن النتيجة قد تتجه إلى أي مرشح، نظرا لأن تقدم ترامب ضمن هامش الخطأ وهو أمر غير مستبعد، خصوصا بعد الأداء الديمقراطي الكبير في الانتخابات النصفية عام 2022 حيث حقق الديمقراطيون نجاحات فاقت توقعات استطلاعات الرأي وأفشلت الموجة الحمراء المتوقعة. وفي ظل هذا التعادل في الاستطلاعات لجأ بعض الخبراء إلى خلق حالة من التشابه بين هذه الدورة الانتخابية وانتخابات 2016 لعدة اعتبارات أبرزها أن المرشحة الرئاسية الديمقراطية هي امرأة من أصول إفريقية وآسيوية وأن المرشح الآخر هو ترامب نفسه الذي هزم هيلاري كلينتون في تلك الانتخابات ووجه ضربة قاسية لمصداقية استطلاعات الرأي مجددا. لكن هناك قلة من يطرح أن هذه الانتحابات قد تكون أقرب في ظروفها إلى انتخابات 1980 بين كارتر ورونالد ريغان نظرا لتشابه الظروف ونتائج الاستطلاعات، وأنا أتفق على أن الظروف وليس بالضرورة النتيجة قد تكون متشابهة مع انتخابات 1980. حيث حقق رونالد ريغان فوزا ساحقا على جيمي كارتر في تلك الانتخابات بسبب عدة عوامل رئيسية وأنا أعتقد أنها تتكرر اليوم. وكانت القضية الأولى هي الاقتصاد حيث كانت أميركا تواجه معدلات تضخم مرتفعة وبطالة وأسعار فائدة عالية، وغالبًا ما يشار إليها باسم الركود التضخمي وكان العديد من الناخبين غير راضين عن حالة الاقتصاد في ظل إدارة كارتر. كما أثرت أزمة الرهائن المطولة على الوضع الأميركي الداخلي واستأثرت بالتغطية الإعلامية مطولا، حيث احتُجز 52 دبلوماسيًا ومواطنًا أميركيًا في إيران لمدة 444 يومًا واعتبر العديد من الأميركيين استجابته غير فعالة. ونظر بعض الناخبين إلى كارتر على أنه زعيم ضعيف، وخاصة في التعامل مع القضايا الدولية والتحديات الاقتصادية. وهذا كان يتناقض مع رسائل ريغان القوية والمتفائلة. في المقابل كان ريغان متواصلاً فعالاً، وغالبًا ما يُشار إليه باسم "المتحدث العظيم". وساعدته كاريزمته وقدرته على التواصل مع الجمهور الأميركي في كسب الدعم. وركزت حملته على وعد التغيير، ورفع شعار "إنه الصباح في أميركا، معربًا عن التفاؤل وبداية جديدة للبلاد، وهي عبارات تردد صداها لدى العديد من الناخبين الباحثين عن التغيير. وفي مناظرتهم التلفزيونية الوحيدة، كان أداء ريغان قويًا وواثقًا، حيث سأل الجمهور بشكل علني، "هل أنت أفضل حالًا مما كنت عليه قبل أربع سنوات؟" وقد ظل هذا السؤال عالقًا في أذهان العديد من الناخبين، ومازال يستخدمه ترامب ونائبه اليوم في كل خطبهم وإعلاناتهم الانتخابية. وكان هناك بعض الانقسام داخل الديمقراطيين والافتقار إلى الحماس لإعادة انتخاب كارتر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى علاقاته المتوترة مع أعضاء حزبه. وقد تضافرت جميع هذه العوامل لخلق بيئة مواتية لفوز ريغان الحاسم والشهير بـ48 ولاية في انتخابات عام 1980 وبفارق 10% في التصويت الشعبي. ولك أن تتخيل أخي الكريم أن هذا الفوز الضخم والحاسم لم تتنبأ به استطلاعات الرأي، بل إن صحيفة واشنطن بوست في الأيام الأخيرة قبل موعد الانتخابات كشفت عن استطلاع رأي يظهر تقدم كارتر في الانتخابات العامة. ويدافع منظمو الاستطلاعات عن منهجيتهم حيث يتهمون دوما الناخبين بعدم الكشف عن نواياهم في اختيار المرشح المفضل بخلاف تغير الرأي العام نتيجة أخطاء وتعثر الحملات والمرشحين في الخطوات الأخيرة. وفي عام 1980 و2016 ربما كان بعض أنصار ريغان وترامب مترددين في الكشف عن تفضيلاتهم وذلك جزئيا بسبب مواقف المرشحين الأكثر تحفظًا. كما أن تحيز العينة هي المتهم دوما حيث لا تعكس استطلاعات الرأي بدقة التركيبة السكانية لإقبال الناخبين. وإذا كانت مجموعات معينة (على سبيل المثال، الناخبون الريفيون، الذين قد يميلون إلى المحافظين بشكل أكبر) ممثلة تمثيلاً ناقصًا في العينات، فقد يؤدي هذا إلى تحريف النتائج بشكل كامل. كما أن هناك عددا كبيرا من الناخبين غير الحاسمين الذين يتخذون قرارهم قبل يوم الانتخابات بخلاف نسب الإقبال وسلوك الناخبين وأعمارهم وهي أرقام كبيرة وبيانات ضخمة يصعب قياسها وتفشل الاستطلاعات في رصدها. باختصار، يمكن أن يُعزى فشل استطلاعات الرأي في التنبؤ بفوز المرشحين بدقة إلى قضايا منهجية، وصعوبة التقاط تحولات الناخبين في اللحظة الأخيرة، وتعقيد السلوك السياسي البشري. وربما كان التقارب الملحوظ في استطلاعات الرأي في عام 1980 بين ريغان وكارتر والاستطلاعات اليوم بين هاريس وترامب نتيجة لتشابه الظروف، وهو ما يؤدي إلى صعوبة قياس مشاعر الناخبين بدقة خلال فترة الأزمات الوطنية والانقسام السياسي. وتتمثل هذه القضايا جليا في أزمة الحدود والمهاجرين والصراع المتوسع والمقلق في أوروبا، والشرق الأوسط المتفجر، وأزمة الرهائن لدى حماس وصعود الصين والاضطرابات الاقتصادية. وفي اعتقادي هذه المرة قد لا يتكرر فوز الجمهوريين المتوقع بنفس الكيفية التي فاز بها ريغان نظرا للانقسام السياسي الكبير الحاصل في أميركا وقد تكون النتيجة فوز هاريس وهي نتيجة غير مستبعدة حتى الآن.

مشاركة :