خطاب التهدئة وسياسة اليد الممدودة إلى مختلف القوى السياسية اللذان يلتزم بهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز في انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق يفتحان الطريق نحو تجاوز التوترات التي خلّفها التنافس الانتخابي الحادّ والنأي بالإقليم عن محاذير الانقسام وعدم الاستقرار التي تتربص به، نتيجة أوضاعه الداخلية وعلاقته بالدولة الاتحادية العراقية والظروف الإقليمية المحيطة به. أربيل (العراق)- يصف مراقبون النهج الذي يتبعه الحزب الديقراطي الكردستاني الفائز في انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق التي أجريت في العشرين من الشهر الماضي بالمعتدل متوقّعين أن يكون له أثر في خفض التوتّرات التي صعّدتها الانتخابات وتذليل الصعوبات التي قد تواجه تشكيل حكومة جديدة تنأى بالإقليم عن محاذير الفراغ وعدم الاستقرار. ويسلك الحزب الحاصل على تسعة وثلاثين مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة مئة مقعد، سياسة اليد الممدودة لجميع الشركاء السياسيين متغاضيا عن الخطاب التصعيدي لغريمه السياسي الأول الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي حلّ ثانيا بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا والذي أظهر بوادر تشدّد في اشتراطاته بشأن المشاركة في الحكومة القادمة، وبات يرفع سلاح التعطيل للحصول على مطالبه ويلوّح بحكومة تصريف أعمال دائمة. ودخل الحزب الديمقراطي الذي يقوده مسعود بارزاني مرحلة التحضير العملي لتشكيل الحكومة، وقام بتشكيل لجنة للتفاوض بشأن ذلك مع الأحزاب السياسية في إقليم كردستان. غياث سورجي: تلبية شروطنا أو الإبقاء على حكومة تصريف أعمال غياث سورجي: تلبية شروطنا أو الإبقاء على حكومة تصريف أعمال وقالت وسائل إعلام محلية الأحد إن اللجنة ستكون برئاسة عضو الهيئة التنفيذية للمكتب السياسي في الحزب هوشيار زيباري بمشاركة عدد من أعضاء المكتب السياسي ومسؤولي مكاتب التنظيمات في المحافظات، إضافة إلى عدد من أعضاء اللجنة المركزية. ويأتي الاختيار على زيباري نظرا لخبرته الطويلة بالعمل السياسي وقدرته على قيادة المفاوضات وتقريب وجهات نظر الفرقاء بشأن الملفات الشائكة والتي اكتسبها من تجربته على رأس الدبلوماسية العراقية عندما شغل منصب وزير لخارجية العراق طيلة أحد عشر عاما حتى سنة 2014، وهي تجربة تأتت له منها شبكة علاقات واسعة داخل العراق وخارجه. وأورد موقع كردستان 24 الإخباري أنّ اللجنة ستباشر مهامها بعد إعلان المفوضية البت بالطعون المقدمة على نتائج انتخابات برلمان الإقليم. وكانت المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت في الثلاثين من الشهر الماضي عن النتائج النهائية لانتخابات برلمان إقليم كردستان، مؤكّدة نجاح العملية الانتخابية وخلّوها من الشوائب، ومنحت الفرصة للأطراف السياسية لتقديم الطعون خلال ثلاثة أيام بدأت مع مطلع شهر نوفمبر الجاري. ولم تمكّن العملية الانتخابية رغم حصول الحزب الديمقراطي على نسبة هامة من مقاعد البرلمان أي طرف من الأطراف المشاركة فيها من بلوغ عتبة النصف زائد واحد الضرورية لتشكيل الحكومة، ما يحتّم ائتلاف أكثر من حزب لبلوغ تلك العتبة وهو ما يستوجب الدخول في مفاوضات بين الأحزاب قد لا تكون يسيرة رغم محاولات حزب بارزاني تذليل الصعوبات أمامها. ولاحت أولى الصعوبات من خلال تشدّد الاتحاد الوطني بقيادة بافل جلال طالباني في شروطه للمشاركة في تشكيل الحكومة الجديدة رافعا من سقف مطالبه بغضّ النظر عما أفرزته صناديق الاقتراع. مهند عقراوي: الاتحاد الوطني لن يقبل بأقل من منصب رئاسة إقليم كردستان مع وزارات سيادية في الحكومة مهند عقراوي: الاتحاد الوطني لن يقبل بأقل من منصب رئاسة إقليم كردستان مع وزارات سيادية في الحكومة ولم يتردّد الاتحاد في التلويح بسلاح التعطيل، وذلك على لسان القيادي فيه غياث سورجي الذي قال لوسائل إعلام محلّية إنّه في حال “لم يلبّ الديمقراطي الكردستاني شروط الاتحاد الوطني لن تشكل حكومة كردستان المقبلة أبدا، وسوف تبقى فقط حكومة تصريف أعمال”. وأوضح سورجي أنّ “جلسة برلمان إقليم كردستان الأولى ستعقد بسلاسة في حال وافق الحزب الديمقراطي على شروطنا”، وألمح إلى وجود دور ضروري للاتّحاد في تشكيل الحكومة، قائلا “جميع الأحزاب الكردية التي حصلت على مقاعد برلمانية رفضت المشاركة في الحكومة المقبلة وأرادت أن تبقى في المعارضة”، ومضيفا “في حال وجود إرادة جدية من قبل الديمقراطي الكردستاني، سوف تشكل حكومة كردستان المقبلة خلال أسبوع”. وأشار إلى أنّ الحزبين “لم يتواصلا مطلقا، وإذا تم التواصل في ما بيننا سنعرف ما إذا كانت توجد هناك عوائق أم لا”. وفي مقابل عدم التواصل مع الحزب الديمقراطي يستعد الاتحاد الوطني لبدء تحرّك صوب قوى سياسية حاصلة على مقاعد في برلمان الإقليم. ونقلت وسائل إعلام عراقية عن مصدر سياسي في السليمانية معقل الاتحاد الوطني قوله إنّ وفدا من الاتحاد سيبدأ بزيارة جميع الأحزاب الفائزة في الانتخابات باستثناء الحزب الديمقراطي، مضيفا أنّ الاتحاد الوطني يهدف من خلال هذه الزيارات إلى معرفة آراء الكتل الفائزة وإصلاح العلاقات معها، وستشمل الزيارات حراك الجيل الجديد، على أن يبدأ الاتحاد بعدها بمفاوضات تشكيل حكومة إقليم كردستان مع الحزب الديمقراطي. ولم تخرج تصريحات سورجي عن نهج التشدّد الذي التزمت به قيادة الاتّحاد الوطني قبل الانتخابات وبعدها، والذي اعتبره متابعون لشؤون كردستان العراق مجرّد وسيلة لتحسين شروط التفاوض ومحاولة تعظيم حصّته من مناصب السلطة في الإقليم. عدالت عبدالله: عملية تشكيل الحكومة معقدة، إلاّ إذا كانت هناك مساومة على السياسات التي أدت إلى توتر بين الحزبين الرئيسيين عدالت عبدالله: عملية تشكيل الحكومة معقدة، إلاّ إذا كانت هناك مساومة على السياسات التي أدت إلى توتر بين الحزبين الرئيسيين لكنّ دوائر سياسية ترى أن ذلك التشدّد يأخذ أبعادا أخطر حين تدخل على خطّه قوى شيعية حاكمة في الدولة الاتحادية العراقية ومتحالفة مع قيادة الاتحاد الوطني، وقد تكون جزءا من مخطّط إيراني لزعزعة استقرار الإقليم وإضعاف تماسكه الداخلي بعد أن أصبح في نظر إيران مدخلا ومستقرا لنفوذ منافسيها وتحديدا الولايات المتحدة وتركيا. وخاض الاتحاد الوطني حملته الانتخابية على أساس تغيير مسار الحكم الذي أظهر الخطاب السياسي لقياداته أنّه يتلخّص في إزاحة الحزب الديقراطي من مركزه القيادي في سلطة الإقليم والحلول محلّه، دون برامج حقيقية واضحة لتغيير واقع السكان وتحسين أوضاعهم. وقال مهند عقراوي عضو الاتّحاد في وقت سابق إنّ “الاتحاد الوطني خاض الانتخابات باسم تغيير نوع الحكم في الإقليم خصوصا في المناصب التنفيذية”، مضيفا “في السابق كان الاتحاد يحصل على منصب رئيس البرلمان، لكنه الآن لن يرضى بتكرار هذه المعادلة”. كما أكّد أن “الاتحاد لن يقبل بأقل من منصب رئاسة إقليم كردستان مع وزارات سيادية في الحكومة”، مشدّدا على “أن لا تبقى هذه الوزارات حكرا على الديمقراطي الكردستاني”، ومتعهّدا بعدم التراجع عن وعد تغيير نظام الحكم في الإقليم. وتدرك قيادات الاتّحاد الوطني الكردستاني وجود حاجة إلى مشاركة حزبها في تشكيل الحكومة لضمان سلاسة ممارستها لمهامها في مختلف مناطق الإقليم بما في ذلك تلك التي تعتبر مجال نفوذ للاتّحاد، وتبدو متجّهة لاستخدام هذه الورقة لتحصيل مطالبها. ويمكن للحزب الديمقراطي بفعل عدد مقاعده في البرلمان التفاوض، نظريا، على تشكيل الحكومة مع قوى أخرى غير الاتحاد الوطني وبلوغ النصاب المطلوب، لكنّ ذلك لا يبدو حلاّ واقعيا. وعلق أستاذ الإعلام عدالت عبدالله على شكل التحالفات التي ستبنى عليها حكومة إقليم كردستان المقبلة، مشيرا إلى وجود عدة سيناريوهات لتشكيلها. الحزب الديمقراطي دخل مرحلة التحضير العملي لتشكيل الحكومة، وقام بتشكيل لجنة للتفاوض بشأن ذلك مع الأحزاب السياسية وقال لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ “السيناريو الأول يتمثل بتشكيل الحكومة من قبل الحزبين الرئيسيين في الإقليم، في ضوء المقاعد التي حصلا عليها في الانتخابات الأخيرة”. وأضاف أن “السيناريو الثاني يمكن أن يكون تحالفا بين الحزب الديمقراطي وحراك الجيل الجديد (حاصل على خمسة عشر مقعدا) مع أحزاب أخرى حصدت عدة مقاعد، للوصول إلى النصف زائد واحد، إلاّ أن هذا السيناريو غير مرجح ولا يبدو عمليا بسبب مناطق النفوذ الكبيرة للاتحاد الوطني الكردستاني”. وأشار إلى أن “السيناريو الثالث هو عدم تمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من تشكيل الحكومة، ما يتيح الفرصة للاتحاد الوطني، باعتباره ثاني أكبر الأحزاب الفائزة، لتشكيل الحكومة”، وهو سيناريو يطرح نفس إشكالية النفوذ في مناطق بعينها. وأكد أن “عملية تشكيل الحكومة معقدة، إلاّ إذا كانت هناك مساومة على السياسات التي أدت إلى توتر بين الحزبين الرئيسيين”، مضيفا أن “وجود روحية جديدة يمكن أن تسهل عملية تشكيل الحكومة بشكل غير متوقع”.
مشاركة :