يعرف الاغتيال بأنه عملية قتل متعمدة وجريمة نكراء مخطط لها، تستهدف شخصيات بارزة ومهمة ذات تأثير سياسى أو عسكرى أو دينى أو اجتماعى، ويتم تنفيذها لأسباب استراتيجية وانتقامية بهدف الترويع وتغيير مسارات الصراع وإضعاف الخصوم. عملية الاغتيال، سواء نفذها فرد أو مجموعة أفراد أو دولة، هى عملية إرهابية فى المقام الأول، وعقوبتها الإعدام عادة فى معظم القوانين المحلية أو الدولية فى غالبية دول العالم. فى مصر، مثلاً، تعتبر عملية الاغتيال جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وفقاً لقانون العقوبات المصري، ويحكم على مرتكبها غالباً بالإعدام. أما فى المملكة العربية السعودية، فتطبق أحكام الشريعة الإسلامية ويطبق القصاص على جريمة القتل العمد، وهو الإعدام، إلا إذا عفا أولياء الدم، أو تم التوصل إلى دية. تتشابه الأحكام نفسها فى معظم دول العالم، عدا الأماكن التي تم فيها إلغاء عقوبة الإعدام فى السنوات الأخيرة، حيث تستبدل بالسجن المؤبد غالباً. ما يعنينا هنا هو عمليات الاغتيالات التى قامت بها إسرائيل منذ نشأتها إضافة إلى بعض العمليات قبل 1948، والتى نفذتها الصهيونية العالمية تمهيداً لتأسيس الدولة العبرية. كان نصيب مصر منها هو الأوفر كونها حاملة الراية والدولة التى تحملت الكثير فى الصراع العربي الإسرائيلي، والدولة التى لن تحل الأمور إلا بها والتى ضحت بالآلاف من أرواح بنيها منذ بدء الصراع. هناك قول مأثور لشيمون بيريز، رئيس الوزراء الأسبق، يوضح لنا كثيراً من الأمور عن المسالك الإسرائيلية فيما يخص العمليات الإرهابية والاغتيالات: «إن أى اغتيال هو اغتيال. إنه أمر بارد وفظيع. أنا ضد أى عقوبة إعدام. الرب وحده هو الذي يملك الحق فى انتزاع الحياة لأنه هو الذى يمنحها. والاغتيال يقف ضد الديمقراطية وضد الحضارة وضد حياة الناس المتحضرة». قال شيمون بيريز هذه العبارات فى عام 1995 عقب اغتيال رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين فى الرابع من نوفمبر 1995، ولولا أن القاتل والمقتول كانا إسرائيليين، لما قال بيريز قولته المتحضرة تلك بهذه الطريقة العادلة. لو تأملنا أقوال بقية المسئولين الإسرائيليين، لوجدنا اختلافاً كبيراً بين أقوالهم وتلك المقولة. نلاحظ أن بيريز كان مشدداً على أهمية الحياة وحق الله وحده فى منحها وأخذها، وأن الاغتيال ضد الحضارة وضد حياة الناس المتحضرة. من الواضح أنه لو كان الضحية غير إسرائيلي لما صدر عنه مثل ذلك الكلام. المفارقة أنه خلال وجود شيمون بيريز كوزير وكرئيس وزراء، نفذت عدة عمليات اغتيال اسرائيلية ضد شخصيات عربية وفلسطينية منهم أبو جهاد. قال إيهود باراك عندما كان رئيساً للوزراء: «الاغتيالات هي أداة فعالة فى الحرب ضد الإرهاب». وقال أرييل شارون: «الاغتيالات وسيلة ضرورية لحماية أمن إسرائيل». وقال نيتانياهو مراراً وتكراراً: «استهداف القادة الإرهابيين هو جزء من الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل». وقال ليبرمان: «القتلة يجب أن يتعرضوا لعقوبات قاسية، بما فى ذلك الاغتيال إذا لزم الأمر.» وقال جالانت وزير الدفاع الحالي: «الاغتيالات جزء من استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب، وعلينا استخدام كل الوسائل المتاحة لحماية مواطنينا». توجد أقوال أخرى كثيرة لمسئولين إسرائيليين تتبنى نفس المنهج ولا تحيد قيد أنملة عن أن الاغتيالات ليست قتلاً، بل هى استراتيجية طالما أن الضحية ليس إسرائيلياً. بمقارنة أقوال الشخصيات الإسرائيلية مع أقوال شخصيات عالمية عن الاغتيالات عبر التاريخ، نجد فرقاً كبيراً، حيث تعكس تلك الأقوال كراهية الاغتيال وتشجبه وتنهى عنه. يقول إريك أمبلر: «الأمر المهم الذى يجب معرفته عن الاغتيال أو محاولة الاغتيال ليس من أطلق الرصاصة، بل من دفع ثمن الرصاصة». ويقول بنيامين دزرائيلي، الذى تولى منصب رئاسة الوزراء البريطانية مرتين فى الفترة 1868- 1880: «الاغتيال لم يغير تاريخ العالم أبداً». ويقول ألكسندر سميث: «إذا أردت أن تجعل رجلاً يبدو نبيلاً، فإن أفضل وسيلة لك هى قتله، فما قد يكون ورثه من عرقه من تفوق، وما قد تكون الطبيعة قد وهبته إياه شخصياً، سيظهر فى الموت». لجأت إسرائيل منذ عام 1948 إلى عمليات الاغتيالات واستهداف شخصيات تعتبرها عدوة أو محرضة ضد مصالحها وأمنها القومى، وبناء عليه تقوم أجهزتها الاستخباراتية، مثل الموساد والشاباك، باستهداف تلك الشخصيات وتصفيتها. تسببت عمليات الاغتيال التى قامت وتقوم بها إسرائيل منذ عام 1948 فى جدل كبير حول قانونيتها، حيث يرى المعارضون أنها تمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية ولحقوق الإنسان، خاصة عندما تسفر عن وقوع ضحايا مدنيين. ومن جهة أخرى، يرى المؤيدون أن هذه العمليات ضرورية للحفاظ على أمن إسرائيل من التهديدات المباشرة وغير المباشرة، وأنه لا يمكن التعامل مع تلك التهديدات بالوسائل التقليدية. وعندما عرض الأمرعلى المحكمة الإسرائيلية العليا، أيدت المحكمة بعض هذه العمليات وفق ضوابط صارمة، منها تقليل الأضرار المدنية إلى أقصى حد. بالطبع، هناك دائماً رد فعل لتلك العمليات، منها تأجيج جذور الكراهية وتعزيز مشاعر العداء، ومنها الهجمات الانتقامية. ويبدو على السطح نجاح بعض هذه العمليات وأنها تخلصت من تهديدات محددة، إلا أنها لم تحل المشاكل السياسية الكبرى التى تشعل الصراع وتزيد بالتالى من دورة العنف بين الطرفين، حيث يؤدى كل اغتيال إلى تأجيج المقاومة ودفعها إلى المزيد من التصعيد. قد ترى إسرائيل، خصوصاً فى عهد نيتانياهو، أن استخدام الاغتيالات المستهدفة يعزز الأمن وسط صراع طويل الأمد ويحقق نجاحات أمنية على المدى القصير. يغيب عن عيون هؤلاء أن رد الفعل المحتوم سيجعل ذلك أمناً مستحيلاً، وبالتـالى فإنه ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للعنف، لن يتحقق استقرار دائم وسلام حقيقى فى المنطقة.
مشاركة :