شد انتباهي ما نُشر قبل أيام عن تحقيق شركة بورصة الكويت أرباحا فسّرها الرئيس التنفيذي للشركة على أنها «بيانات تُظهر قوة أداء سوق المال، رغم التحديات الاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية العالمية». وهذا تصريح غير دقيق، حيث إن تقييم أداء مثل هذه المؤسسات المعنية بإدارة أسواق الأسهم يتم وفقا لأسس فنية مختلفة، وليس وفقا لأرباح متوقع وطبيعي جدا تحقيقها، باعتبار أن الشركة هي الوحيدة في السوق، وثانيا باعتبار أن بورصة الكويت تعتمد سياسات ذات معايير متدنية فيما يخص نمط أعمالها التشغيلية. لذلك سوف تهتم هذه المقالة بتسليط الضوء على المعايير والأسس الفنية المعتبرة لتقييم أداء هذه المؤسسات وتقييم شركة بورصة الكويت، وفقا لبعض تلك المعايير القابلة للقياس. أما أهمية هذه المقالة، فتكمن في رفع مستوى الوعي ودفع الجهات المسؤولة نحو إصلاح هذا الوضع القائم والمؤثر على الاقتصاد المحلي بالمجمل، خصوصا في ظل تنافسية عالية تشهدها بورصات دول المنطقة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. والإشكالية هنا أو الدافع وراء هذه المقالة هو أن القائمين على شركة بورصة الكويت لا يعترفون بضعف السوق وحاجته الى إصلاحات حقيقية تعيد ثقة المستثمرين به، بل على العكس يرون أنه «سوق مالي قوي»، لذلك كان من الواجب كتابة هذه المقالة. ابتداءً، لا شك في أن معايير وأسس تقييم كفاءة أي سوق مالي تتمحور حول الأطر القانونية والتنظيمية، وجودة قواعد الحوكمة، وهيكل السوق، ومستوى التقنيات المستخدمة، وحماية حقوق صغار المستثمرين وغيرها. ووفقا لجودة تلك الأسس تتحصل أسواق المال على الترقية لمصاف أسواق أعلى لدى المؤشرات المعتبرة عالميا والمدارة من قبل مؤسسات مالية عريقة، وكنتيجة لذلك تتدفق على هذه الأسواق رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، فتظهر الأرقام الخاصة بالمؤشرات الفنية بصورة إيجابية تدعم كفاءة هذه الأسواق. بمعنى آخر، أرقام المؤشرات الفنية هي انعكاس لتلك المعايير أعلاه، ونتيجة طبيعية لها، لذلك من البديهي النظر في القيمة السوقية، وحجم التداولات، وعدد الصفقات، باعتبارها أبرز المؤشرات على جاذبية السوق ونجاحه في نيل ثقة المستثمرين، وكذلك من البديهي أيضا المقارنة أولا مع السوق السعودي، لكونه يُعد Benchmark بالنسبة لأسواق الخليج. وعليه، نشير الى أن القيمة السوقية لسوق الكويت للأوراق المالية في العام الماضي كانت 134 مليار دولار، بينما كانت للسوق السعودي 3 تريليونات دولار، محتلا المركز الأول خليجيا، بينما جاء سوق الكويت للأوراق المالية في المركز الخامس، متقدما فقط على السوقين البحريني والعماني. أما فيما يخص عدد الصفقات، فقد شهدت البورصة في العام السابق فقط 2.87 مليون صفقة في مقابل 87.9 مليونا سجلها السوق السعودي في العام ذاته. ومن حيث القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة أو السيولة خلال العام الماضي كان الفرق شاسعا أيضا، حيث كانت سيولة بورصة الكويت تقريبا 34 مليار دولار في مقابل سيولة بلغت 355 مليارا للسوق السعودي. وتأكيدا لهذه البيانات، تأتي الكويت في المركز الرابع بعد السعودية والإمارات وقطر من حيث الأوزان في المؤشرات المنضمة لها. يُذكر أن السوق شهد أخيرا انسحاب شركتين مؤثرتين، وفي المقابل استقطب السوق فقط إدراجا وحيدا خلال عامين، بينما نجح السوقان السعودي والإماراتي في استقطاب نحو 7- 9 عمليات إدراج خلال العام الماضي. الغريب أيضا أن الرئيس التنفيذي كان له تصريح قبل أشهر قليلة، مفاده أن شركة بورصة الكويت تستهدف «الإدراجات النوعية»، في إشارة الى أن السوق يتميز باستهداف النوع وليس الكم، متناسيا أن نصف الشركات المدرجة تتداول بأقل من قيمتها الدفترية منذ سنوات، بل وبمعدلات تداول متدنية جدا أو لا تكاد تُذكر. والمعنى هنا، لو كانت سياسة البورصة هي الإدراجات النوعية، فالأولى لها أن تبدأ بالشركات المدرجة لديها وتضع معايير صارمة للأسهم ذات معدلات التداول الضعيفة، نظرا لتأثيرها المباشر وغير المباشر على كفاءة السوق ومستوى المعايير التي يتبعها أمام الجميع، بما فيهم المؤسسات العالمية التي يطلب مسؤولو السوق الانضمام لها. ختاما، إن الإشكالية الكبرى ليست فقط فيما ذكرنا من أرقام تعكس تدني أداء البورصة، وإنما مرة أخرى هي في رفض القائمين على البورصة الاعتراف بضعف أدائها. لذلك، نعتقد أن المسؤولية الأكبر تقع على CMA باعتبارها جهة إشرافية ورقابية عليا يفترض بمن يديرها أن يكون واعيا ومدركا لسياسات الدولة الاقتصادية ورؤيتها المستقبلية ومنفذا لها بالشكل الصحيح، لا أن يكون منشغلا بإبراز إنجازات شكلية للهيئة أو القائمين عليها، على حساب تطوير السوق ومعالجة مواطن الخلل فيه. * أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة Soud.almutairi@port.ac.uk
مشاركة :