انقسام في ليبيا بشأن الاستفتاء على حل مجلسي النواب والدولة

  • 11/8/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تنامى منسوب القلق السياسي في ليبيا من أن يفاقم الاستفتاء على حلّ مجلسي النواب والأعلى للدولة الأزمة في البلاد، ففي الوقت الذي حذّرت فيه الأحزاب من تداعيات توظيف ذلك لأغراض سياسية ضيقة أو لتصفية حسابات شخصية، رحّب تيار الإسلام السياسي بالفكرة. عمّق الاستفتاء على حلّ مجلسي النواب والأعلى للدولة في ليبيا واقع الانقسام السياسي بين الحكومتين في الشرق والغرب، وسط معارضة واضحة من اتحاد الأحزاب، مقابل ترحيب من تيار الإسلام السياسي بالخطوة. وتثير العودة إلى الاستفتاء جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية في ليبيا، حول ما قد يتسبب فيه من تعميق لحالة الانقسام. وتطالب الأحزاب الليبية بأن يكون الاستفتاء وسيلة لتوحيد الصفوف بين الفرقاء الليبيين وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والاستقرار الذي يمهّد لبناء مؤسسات الدولة، بعيدا عن تعميق الانقسامات والخلافات خصوصا بين المنطقتين الغربية والشرقية. وأكد الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية أن الاستفتاء الشعبي يمثل أداة ديمقراطية مهمة لتمكين الشعب الليبي من المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبله، لكنه حذر من استغلال الاستفتاءات من أجل تصفية حسابات شخصية، مشيرا إلى أن حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لن ينهي الأزمة الليبية. وأفاد الاتحاد، في بيان له الأربعاء، بأهمية الاستفتاء كوسيلة سلمية وحاسمة لحل الخلافات وتوحيد الآراء حول القضايا المصيرية، مضيفا أن الشعب الليبي له الحق “في إجراء استفتاءات حول القضايا المصيرية التي تمس مستقبله، مثل شكل الدولة ونظامها السياسي والإداري وهوية اقتصادها، وكذلك ميثاق وطني جامع يضمن التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب”. كما حذّر الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية من استغلال الاستفتاءات “لأغراض سياسية ضيقة أو لتصفية حسابات شخصية”، مشدّدا على أن “الاستفتاء يجب أن يكون وسيلة لتوحيد الصفوف وليس تعميق الانقسامات، ويكون هدفه الأساسي تحقيق المصلحة الوطنية العليا”. وشدّد أيضا على “ضرورة وجود بيئة سياسية مستقرة وآمنة لإجراء استفتاءات ناجحة تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية”، داعيا إلى “حوار وطني شامل لتحديد القضايا التي ستطرح للاستفتاء وآليات إجرائه”. في المقابل، دخل تيار الإسلام السياسي بقوة على خط الأزمة المتفاقمة بين المجلسين، معلنا دعمه لمبادرة الاستفتاء الشعبي الإلكتروني، وللمبادرات الصادرة عن الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وما يمثله ذلك من نقلة نوعية لطبيعة الصراع بين الفرقاء الأساسيين في طرابلس وبنغازي. وزعم المفتي المعزول الصادق الغرياني أن المجلس الرئاسي سينال رضا الله، موجها الشكر لرئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبدالحميد الدبيبة. ومن خلال برنامجه “الإسلام والحياة”، عبر قناة “التناصح”، قال الغرياني مساء الخميس إن “المجلس الرئاسي سينال رضا الله إن أخلصوا في دعوتهم للانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، وأشكره على رسالته إلى عقيلة وحديثه عن تجاوزات البرلمان، فرسالته إلى برلمان عقيلة جديرة بالإشادة والتنويه بها، وهي ليست سياسية للاستهلاك، بل هي صياغة قانونية معمقة مبنية على أسس صحيحة فجزاهم الله خيرا”. وأضاف “الرئاسي تكلم عن تجاوزات البرلمان للقانون وعدم الشفافية وانعقاد جلسات غير قانونية وإصدار قوانين لا يُعلم من أصدرها، فالرئاسي يجب أن يواصل ضغوطه، فكلامه سيكون له أثر عميق ومعنى، وهذا يحمد للرئاسي وسيذكره التاريخ وسينالون رضا الله إن أخلصوا، وعلى كل مسؤول أن يندد بالفساد والتجاوزات واختراق القانون”. مراقبون يرون أن تيار الإسلام السياسي دعم مبادرة الاستفتاء لمساندة قرارات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية وتابع “الحديث عن التوجه للانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية يثلج الصدر، وأشكر الدبيبة على تأكيده الحرص على إجراء الانتخابات بالتعاون مع الرئاسي”. وجدد الغرياني الذي يتولى رئاسة دار الإفتاء التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، تأييده لقرار المجلس الرئاسي بشأن إنشاء مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني، وقال إن تنفيذ هذا القرار يمكّن الليبيين من الوصول إلى الانتخابات واعتماد الدستور دون الحاجة إلى معرقلي الانتخابات سواء من البعثة الأممية أو مجلسي النواب والدولة. وفي التاسع من نوفمبر 2014 قرر مجلس النواب عزل الغرياني من منصب مفتي البلاد، كما قرر إلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصاتها واختصاصات المفتي إلى هيئة الأوقاف في الحكومة المؤقتة. ونصب الغرياني مفتيا للبلاد إبان اندلاع ثورة فبراير عام 2011، فيما عين رئيسا لدار الإفتاء إثر تكونها عام 2012، وأثار قانون دار الإفتاء وقتها جدلا واسعا بين علماء ليبيا، إذ أعطيت صلاحيات واسعة للمفتي بموجب القانون، منها ضرورة مراجعة القوانين الصادرة عن الحكومة، وعدم التظلم أمام القضاء ضد المفتي، وعدم جواز مناقشة فتاواه في وسائل الإعلام، مما اعتبر تعديا على حرية الرأي. وجاء موقف الغرياني الداعم للاستفتاء في سياق الصراع المتواصل منذ عشر سنوات بينه وبين مجلس النواب والسلطات العسكرية والمدنية في شرق البلاد التي أعلن في مناسبات عدة عن مواقفه التكفيرية نحوها. العودة إلى الاستفتاء تثير جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية في ليبيا، حول ما قد يتسبب فيه من تعميق لحالة الانقسام واعتبر عضو المؤتمر العام السابق عن حزب العدالة والبناء محمود عبدالعزيز أن “مجلس النواب والأجسام الموجودة هي من تقف ضد إرادة الشعب الليبي”، مؤكدا أنه “سيتم التخلص منها قريبا والذهاب للانتخابات”، وقال خلال مشاركته في برنامج “بين السطور” الذي يذاع على قناة “التناصح” إن “ما فعله الرئاسي وتشكيل مفوضية الاستفتاء العام في غاية الأهمية”، مشيرا إلى أنه “لا يختلف اثنان على أن هناك حالة انسداد سياسي والأجسام الموجودة تفتقد الشرعية”، داعيا الشعب الليبي “إلى الخروج إلى الشوارع والمطالبة بإزالة الأجسام المريضة”. ويرى مراقبون أن تيار الإسلام السياسي في ليبيا تجند لدعم مبادرة الاستفتاء والدفاع عنها ولمساندة قرارات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، دون الأخذ بعين الاعتبار لما يمكن أن ينجر عن ذلك من تكريس لحالة الانقسام التي تعرفها البلاد على نطاق واسع منذ العام 2014. والأسبوع الماضي، جدد رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة رفض حكومته تمديد المرحلة الانتقالية مطالبا بقوانين انتخابية عادلة لا تستهدف أشخاصا بعينهم. وقال الدبيبة خلال اجتماعه برؤساء المجالس المحلية للشباب إن الحكومة تفكر في إجراء استفتاء شعبي لتحديد أولويات المرحلة، مؤكدا أنه سينفذ نتائج الاستفتاء سواء كانت توافق توجهاته أم تعارضها. وأشار الدبيبة إلى أنه أوضح للاتحاد الأفريقي أن “الليبيين ليسوا مختلفين، وأن عليهم أن يتجهوا للسياسيين”، لافتا إلى أن “من بين السياسيين من يسعى لفرض نظام عسكري، وآخرين يريدون فرض نظام ديني أيديولوجي”. بينما أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أن “الاستفتاء الشعبي يمثل المسار الحقيقي لإنهاء الجمود السياسي الذي تعاني منه البلاد”، واعتبر أن “هذه الخطوة هي بمثابة انطلاقة جديدة نحو تحقيق الانتخابات وإعادة الثقة في العملية السياسية”. ويخشى متابعون للشأن الليبي من أن يكون الاستفتاء على شرعية مجلس النواب إعلانا عن تكريس حالة الانقسام والاتجاه بالبلاد إلى المزيد من تأزيم الموقف، حيث إن نتائج الاستفتاء لن تدفع بالبرلمان إلى حل نفسه ولا برئيسه عقيلة صالح إلى الاستقالة، وإنما ستزيد من تعميق الصراع وتفسح المجال في اتجاه استفتاءات مقابلة تنظمها سلطات شرق البلاد حول توزيع الثروة وطبيعة النظام السياسي وحتى بخصوص إمكانية الانفصال وتشكيل إقليم يحكم نفسه ذاتيا وفق دستور 1951.

مشاركة :