تعدّ الشعاب المرجانية أضخم بناء مغمور في المياه على الكرة الأرضية تم تشييده قبل آلاف السنين بجهود كائنات حية، فالحاجز المرجاني العظيم المجاور للسواحل الشرقية لقارة أستراليا يمتد لمسافة 2000 كيلومتر، ومكون من 21 ألف كيلومتر مكعب من الصخور المرجانية. والشعاب المرجانية عبارة عن صخور كلسية من عدة أنواع من المرجان يرتبط بعضها ببعض، وتكمن أهمية الشعاب المرجانية في كونها تحمي الجزر المحيطة بها من التعري نتيجة لمفعول أمواج البحر العاتية، كما أن الشعاب المرجانية مأوىً للعديد من أنواع الأسماك التي هي مصدر غذاء للإنسان، إضافة إلى أن الشعاب تؤدي دوراً هاماً في التوازن البيئي لما تحتويه من وفرة في أعداد الكائنات البحرية وتنوعها، كما أنها مصدر ترفيهي لمحبي رياضة الغوص للتمتع بالمناظر الخلابة لصخور المرجان والألوان الزاهية للأسماك الي تعيش على المرجان. مكونات المرجان وتتكون صخرة المرجان من عدة مريجات صغيرة لا يزيد حجم الواحد منها في الغالب عن واحد سم مكعب، وفي كل مريجة يعيش كائن المرجان الحي الذي يسمى البولب (polyp) الذي ينتمي إلى مجموعة الحيوانات اللافقارية ويندرج تحت طائفة الـAnthozoa والتي تشمل أيضاً شقائق النعمان، والبولب هو الكائن الذي يفرز حوله مادة كربونات الكالسيوم بطريقة مميزة ليكّون صخوراً مرجانية ذات شكل هندسي متناسق ومميز وجميل يدل على نوع البولب الذي يعيش في المريجة. فهناك نوع من صخور المرجان الذي يشبه أغصان الشجر، ونوع آخر يشبه لب الجوزة، وآخر يشبة نبات القرنبيط، وهكذا تتنوع أشكال المرجان لتعكس نوع البولب، وعادة ما يتقوقع البولب بداخل المريجة في النهار، أما في الليل فتراه يتمدد بمجساته الطويلة ليقتنص الكائنات الصغيرة العالقة في الوسط المائي كغذاء له، ويعيش داخل جسم البولب نوع من الطحالب المجهرية تسمى زوزنثالي، وهذه الطحالب تبادل المنفعة مع البولب، إذ يقوم الطحلب بعملية البناء الضوئي لتصنيع المواد الكربوهيدراتية التي تتحول بدورها إلى غذاء للبولب، كما يقوم الطحلب بمساعدة البولب على إخراج فضلاته، وفي المقابل يوفر البولب للطحلب المأوى والحياة الآمنة بين المرجان والتعرض الدائم لضوء الشمس. وتعدّ الشعاب المرجانية التي تعيش حول الجزر الكويتية في أقصى حدود درجات حرارة الماء المناسبة لحياة المرجان، فالاختلاف في درجة حرارة ماء البحر بين الصيف والشتاء كبير في المياة الكويتية، إذ ترتفع درجة حرارة ماء البحر في الصيف إلى 32 درجة مئوية وتهبط في الشتاء إلى 17 درجة مئوية، وهذا الاختلاف الكبير يعد عامل ضغط يحد من ازدهار الشعاب المرجانية في المياه الكويتية بالمقارنة مع ازدهارها في المناطق ذات الاختلافات البسيطة في تقلبات درجة حرارة الماء مثل المناطق الاستوائية، كما أن ملوحة الماء المرتفعة نسبيا في المياه الكويتية تحد من ازدهار الشعاب، إذ يصل معدل الملوحة إلى نحو 43 جزءاً في الألف، وذلك يعتبر عالياً مقارنة بمتوسط ملوحة تعادل 35 جزءً من الألف في البحار التي تزدهر فيها الشعاب المرجانية. 35 نوعاً من المرجان حول الجزر الكويتية وبسبب ارتفاع درجة حرارة ماء البحر والفارق الكبير بين درجات حرارة الشتاء والصيف وعلو ملوحة الماء فإن عدد أنواع المرجان في المياه الكويتية قليل بالمقارنة مع المناطق التي تقل فيها تقلبات درجة حرارة ماء البحر، فقد تم رصد 35 نوعاً من المرجان حول الجزر الكويتية، أما في مياه المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين فقد تم التعرف على نحو 38 نوعاً، ويقُدر مجموع أنواع المرجان في الخليج العربي بنحو 60 نوعاً بالمقارنة مع 200 نوع في البحر الأحمر، ويوجد ضعف هذا العدد في المناطق الساحلية للمحيط الهندي حول جزر المالديف والجزر الإندونيسية. والسؤال هو هل تمت دراسة الشعاب المرحانية المنتشرة حول الجزر المرجانية الكويتية وتوثيق أنواعها؟ الجواب نعم، فقد قام الباحثان عادل الصفار والدكتور نايجل داوننغ في عام 1984، عندما كانا يعملان بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، بعمل مسح ميداني على الشعاب حول الجزر الكويتية الثلاث كبر وقاروه وأم المرادم، حيث كان الاثنان الصفار وداوننغ، يتوجهان إلى الجزيرة المراد مسح شعابها المرجانية وينصبان خيمة على الجزيرة، وذلك لأن المسح يستغرق عدة أيام وقد يطول في بعض الأحيان إلى أكثر من أسبوع، ومن بداية الشعاب من ساحل الجزيرة يمد شريط مرقم إلى داخل البحر حتى آخر الشعاب، بعدها يتم الغوص باستخدام اسطوانات غاز الأوكسجين المضغوط، ويتم تدوين وتصوير جميع أنواع المرجان عند كل مترين على الشريط المرقم حتى نهاية الشعاب المرجانية، ويتم بعدها مد الشريط المرقم إلى موقع جديد وبواقع خمسة مواقع حول الجزيرة، وتم بالطريقة نفسها مسح الشعاب المرجانية على جميع الجزر الثلاث، كما تم خلال المسح تدوين جميع أنواع الكائنات التي تتعايش مع الشعاب من مثل الطحالب والإسفنج والقواقع وقنافذ البحر والقباقب والسلاحف البحرية والأسماك، ونتيجة لذلك فقد تم عمل خرائط تفصيلية توضح توزيع أنواع المرجان على الشعاب حول كل جزيرة، كما قام معهد الكويت للأبحاث العلمية بإصدار كتاب بعنوان «المرجان وأسماك الشعاب المرجانية في الكويت» يحتوي على العديد من صور أنواع المرجان وأسماك الشعاب المرجانية. تكسير بعض المستعمرات المرجانية أما عن حالة المرجان في الوقت الحالي فقد أجرى الدكتور شاكر الهزيم الباحث بمعهد الكويت للأبحاث العلمية في عام 2015 مسحاً للشعاب حول جزيرة كْبر وقارنها مع وضعها قبل 31 سنة بناءً على تقارير المسح الذي قام به الباحثان عادل الصفار والدكتور نايجل داوننغ في عام 1984، وقد بينت الدراسة بأن الشعاب حول جزيرة كبر ما زالت بحالتها الجيدة إلا أن هناك زيادة في النشاطات البشرية على الجزيرة والذي أدى إلى تكسير بعض المستعمرات المرجانية، وهنا يجب أن يتفهم مرتادي الجزر بأن الشعاب المرجانية بطيئة في تكوينها حيث تقدر أعمار الشعاب حول الجزر الكويتية بأكثر من مئة سنة، وهي بيئة بحرية تتسم بجمالها وتستوطنها العديد من أنواع الكائنات البحرية، ولكن في الوقت نفسه حساسة للتقلبات البيئية والنشاطات البشرية، لذا يتطلب من مرتادي الجزيرة عدم رمي باورات الزوارق على الشعاب، وعدم قص أو تكسير المرجان عند الاستمتاع برياضة الغوص. وهنا لابد من الإشارة الى بعض النشاطات البشرية التي ازدادت على سواحل الجزر وخاصة جزيرتي كبر وأم المرادم وذلك لقربهما من السواحل الكويتية، فقد انتشرت هواية صيد الأسماك تحت الماء باستعمال النبال البحرية، ولذلك فقد انخفض عدد الأسماك الكبيرة مثل الهامور وسمكة الببغاء (القين) بشكل واضح، كما أن إلقاء النفايات والمخلفات من العوامل التي تحد من نمو الشعاب المرجانية، فبعض النفايات تلتصق بالمرجان، مما يعمل على تشويه وتكسير أطرافه، كما أن الأوراق وخاصة البلاستيكية منها تلتصق بالمرجان وتسبب بخنق الطحالب التي تتعايش مع المرجان مما يؤدي الى اصفرار المرجان وبالتالي نفوقه، إضافة إلى أن النفايات تشوه المناظر الخلابة للمرجان وبالتالي تحد من طبيعتها كإحدى المناطق الترفيهية الجميلة، ومن المناسب عمل حملات منظمة للقيام بتنظيف المناطق حول الشعاب المرجانية وتكثيف توعية رواد الشعاب بعدم رمي المخلفات. ولهدف رصد المتغيرات على الشعاب المرجانية كنمو المرجان ونفوقه لابد من الاستمرار في مسح الشعاب المرجانية بغرض الكشف عن أية متغيرات في حياة الشعاب، أو الكائنات المستوطنة عليها، وذلك نتيجة للمؤثرات الطبيعة كارتفاع درجات حرارة ماء البحر، أو نتيجة للنشاطات البشرية، ومن خلال نتائج الرصد يمكن وضع استراتيجية لحماية الشعاب المرجانية، ومن الأفضل تصنيف الشعاب المرجانية على أنها مناطق محمية وإسناد مسؤولية حمايتها وإدارتها إلى هيئة مستقلة. * مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية سابقاً
مشاركة :