الفضاء، بحراكه وتفاعله يولد صوتا خاصا به، لحنا كونيا فريدا يشبه فرادة الكون، لكن لا تسمع الأذن البشرية هذا الصوت، الذي وصفه فيثاغورس بـ"الموسيقى الكونية"، هو أنموذج على التوازن الكوني العميق الذي يربط بين الرياضيات والموسيقى والطبيعة. وبحسب هذا المفهوم، كانت الحركة المنتظمة للكواكب تنتج ترددات صوتية تشكل بمجملها لحنا سماويا، وهو صوت عميق لكن كما أسلفنا لا يصل للأذن البشرية، لكنه موجود في ملكوت الكون، ينتشر في الفضاء بشكل غير مرئي. يفوق قدراتنا البشرية. في الفلسفة الفيثاغورسية، يمكننا أن نرى توازنا بين ما يدركه الإنسان وما لا يستطيع إدراكه. فحواس الإنسان تتسم بعدم القدرة على استيعاب كل ما يحيط بها على الرغم من وجود الكون كله حولنا، إلا أن كثيرا من الأمور لا تستشعر أو إن صح القول لا تلاحظها لأننا قننا حواسنا. فالأذن البشرية، لا تستطيع سماع الأصوات التي تتجاوز نطاق الترددات الصوتية القابلة للإدراك. هذا الارتباط بين "الموسيقى الكونية" وحواس الإنسان يشير إلى فكرة فلسفية عميقة: نحن نعيش في عالم مليء بالأشياء التي لا يمكننا أن نلاحظها أو ندرك كنهها، إن غفلتنا عن هذه الأبعاد يمكن أن ترى كتجسيد لحالة من النقص في الإدراك البشري. فنحن لا ندرك كل النغمات التي يعزفها الكون من حولنا، سواء أكانت صوتية أو مرئية أو حتى عقلية، مما يجعلنا غير قادرين على الاستمتاع بجمال وعظمة النظام الكوني كما هو. غفلة الإنسان عن "الموسيقى الكونية" تشبه في كثير من الأحيان غفلتنا عن تفاصيل حياتنا اليومية. وما نمر به من أحداث ومتغيرات كثيرة، ونواجه مشاهد أو مواقف تحتوي على أبعاد غير مرئية لنا، ونحن أحيانا لا ندرك أبعادها بسبب ضيق أفقنا وتفكيرنا أو ربما تشتت انتباهنا. أضف أن عقولنا قد لا تنتبه إلى الجمال الحقيقي في اللحظات الصغيرة المحيطة بنا. إن النظرية الفيثاغورسية تحثنا على التواضع لجهة عجزنا في إدراك هذه الأبعاد الخفية وتدعونا إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا وتفسيرنا للعوالم. فكل ما حولنا قد يحتوي على أصوات وألحان غير مسموعة، ولكنها جزء من النظام الكوني الذي نعيش فيه. كما أن وعي الإنسان المحدود قد يحد من إدراكه هذه الأصوات أو التفاعل معها، الأمر الذي يستدعي تطوير قدراتنا الحسية والعقلية لاستكشاف أبعاد أكثر من الحياة والكون.
مشاركة :