تواصل هيئة السوق المالية السعودية سعيها للنهوض بسوق الصكوك وأدوات دين الشركات، من خلال حزمة من المبادرات الاستراتيجية، وذلك نظراً لما تمثله هذه السوق من أهمية، بصفتها عنصراً جوهرياً في تمويل ونمو الاقتصاد ونشاطاته. وللحديث عن هذا الموضوع، توجهت "أرقام" بأسئلتها نحو الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الفاضل الوكيل المساعد للتمويل في هيئة السوق المالية، والذي تحدث فيه عن جهود الهيئة في تطوير سوق الصكوك وأدوات الدين، والتوجهات الاستراتيجية للهيئة في هذا الجانب خلال السنوات المقبلة. *بداية .. نود أن تعطينا نبذة مختصرة عن "لجنة تطوير سوق الصكوك وأدوات الدين"، تحديداً ماهيتها والهدف منها؟ - جاء تشكيل "لجنة تطوير سوق الصكوك وأدوات الدين" برئاسة معالي رئيس مجلس هيئة السوق المالية الأستاذ محمد بن عبدالله القويز، بهدف توحيد الجهود وتحديد التوجهات الاستراتيجية لتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين، من أجل المساهمة في تعزيز تحقيق هدف برنامج تطوير القطاع المالي، المتمثل في تكوين سوق مالية متقدمة، خصوصاً فيما يتعلق بسوق الصكوك وأدوات الدين، وذلك في إطار حرص الهيئة على النهوض بسوق الصكوك وأدوات الدين كأحد أهم البدائل التمويلية التي توفرها السوق المالية لتمويل مشاريع القطاعين العام والخاص. ومنذ تأسيس اللجنة في تاريخ 2018م، تم تنفيذ عدد من المبادرات والمشاريع الاستراتيجية لتعميق السوق وتعزيز السيولة فيه عبر اقتناص مكامن التطوير. والتي ولله الحمد رأينا انعكاساتها الإيجابية على السوق. *إلى أي مدى يتم الاعتماد على سوق الصكوك وأدوات الدين كقناة إضافية للتمويل جنباً إلى جنب التمويل المصرفي التقليدي في المملكة؟ وكيف ترون حجم الاعتماد على سوق الصكوك وأدوات الدين في المملكة كأداة للتمويل البديل مقارنة بدول مجموعة العشرين؟ - تاريخيًا، المقترضون في المملكة اعتمدوا في الغالب على التمويل المصرفي التقليدي نظرًا لتوفيره السيولة التي تطلبتها الشركات لتمويل أعمالها. كما أن هذا الأمر هو تدرج طبيعي في تطوير المنظومة التمويلية، حيث دائماً ما يتطور النظام البنكي في التمويل بشكل يسبق القنوات الأخرى عالمياً لأسباب مختلفة. وفي هذا السياق، رأينا خلال السنوات الماضية ارتفاعاً في الإقراض من البنوك بوتيرة تفوق ارتفاع الودائع البنكية، مما يوضح ارتفاع الحاجة التمويلية في المملكة في ظل مستهدفاتها الطموحة لتنمية اقتصادنا الوطني، مما يبرز أهمية تفعيل قنوات تمويلية مكملة وبديلة للتمويل المصرفي ومن أبرزها سوق الصكوك وأدوات الدين المحلي. ونرى بأن هناك إمكانيات لزيادة حجم إجمالي الرفع المالي للشركات في المملكة من خلال تمويل سوق الصكوك وأدوات الدين المحلي، فإذا نظرنا بشكل أعمق إلى توزيع نوع الاقتراض للشركات، فيتضح أن نسبة التمويل عبر سوق أدوات الدين المحلي يقارب 10% والنسبة المتبقية هي حصة البنوك التجارية، في حين أن متوسط دول مجموعة العشرين يقارب 45% عبر سوق أدوات الدين، مما يوضّح وجود فرص كبيرة لنمو هذا السوق في المملكة. *حدثنا عن حجم سوق الصكوك وأدوات الدين للشركات في المملكة اليوم، وتدرج هذا النمو؟ وكذلك وتنوع المستثمرين في هذه السوق الواعدة؟ - سجل سوق الصكوك وأدوات الدين للشركات في المملكة نمواً سنوياً يعادل 7.9% منذ عام 2019م، وتركز هذا النمو في الإصدارات غير المدرجة التي نمت بمعدل سنوي بنسبة 9.6%، كما زاد عدد المُصدرين مع نمو حجم السوق، إذ بلغ حجم سوق صكوك وأدوات دين الشركات 125 مليار ريال في نهاية عام 2023م، مقارنة بـ 95 مليار ريال في نهاية عام 2019م. علاوة على ذلك تضاعف عدد الشركات المصدرة لأدوات الدين بحوالي ثلاث مرات بنهاية عام 2023م بالمقارنة مع نهاية عام 2019م. ونطمح أننا نرى استمرار النمو في تفعيل إصدار أدوات الدين كأداة تمويلية للشركات، وطرح أدوات الدين طرحًا عامًا وإدراجها في السوق، وانعكاس ذلك على نمو عدد المصدرين وحجم السوق مدفوعة بالتحسينات التنظيمية والبنية الأساسية. أما على مستوى تنوع قاعدة المستثمرين في سوق الصكوك وأدوات الدين للشركات، فقد ارتفعت حصة المستثمرين الأفراد من قرابة 1% بنهاية عام 2021م إلى نحو 12.5% بنهاية عام 2023م، وارتفعت حصة الصناديق الاستثمارية من قرابة 12% في نهاية عام 2021م إلى 15% بنهاية العام الماضي. كما أننا نشهد الآن المزيد من المستثمرين المؤسسيين مثل شركات التأمين ومدراء الأصول التي تعدل سياساتها الاستثمارية أو تقدم منتجات استثمارية لتوسيع وتنويع أعمالها لتكون أدوات الدين جزءاً منها، الأمر الذي بدوره يدعم تنويع قاعدة المستثمرين وتعزيز السيولة فيه. وفي الوقت ذاته، انخفض تركز حصة البنوك والمصارف من قرابة 60% في نهاية عام 2021م إلى 48% في نهاية عام 2023م. لزيادة هذا التنوع في قاعدة المستثمرين أثر مباشر في وجود استراتيجيات استثمار مختلفة في السوق بما يعزز وجود سيولة أعلى للتداول، ويمكّن المصدرين من الحصول على تسعيرة أفضل وتنوع في قاعدة المستثمرين. بالرغم من أننا شهدنا تطورات إيجابية خلال الفترة الأخيرة، إلا أن الطموح أعلى ونعتقد أنه بالإمكان اغتنام كثير من الفرص لتطوير السوق ليصبح إحدى القنوات التمويلية الرئيسة لاقتصادنا الوطني وأيضًا إحدى الخيارات الاستثمارية الرئيسية للمستثمرين. ومن هذا المنطلق، نقوم بشكل مستمر وفق منهجية شمولية بتقييم الفجوات التنظيمية وفجوات البنية الأساسية، وإعداد المقارنات المعيارية وأفضل الممارسات العالمية، إلى جانب استطلاع مرئيات المشاركين في السوق، والذي نتج عنه عدداً من التوجهات الاستراتيجية لتطوير هذه السوق. حيث قامت الهيئة بنشر وثيقة التوجهات الاستراتيجية لتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين في شهر أبريل من هذا العام على موقعها الإلكتروني لتسليط الضوء على التطورات المستقبلية المستهدفة لهذا السوق وإطلاق محفظة من المبادرات الاستراتيجية ومشاركتها مع المشاركين في السوق والذين يلعبون دور أساسي في نجاحه. *ذكرتم منذ قليل أن هناك "محفظة من المبادرات الاستراتيجية" لتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين في المملكة.. فما هذه المبادرات؟ وما الهدف منها؟ - تضمنت محفظة من المبادرات الاستراتيجية العديد من المكامن والفرص التطويرية والتي نعتقد أنها ستساهم بإذن الله في نمو سوق أدوات الدين عبر تعزيز الإصدارات وتنويع قاعدة المستثمرين، ومن الممكن تصنيفها بثلاثة أصعدة: أولاً: زيادة جاذبية السوق للمستثمرين 1- نعمل على بحث سبل تيسير حصول المصدرين على التصنيف الائتماني لتمكينهم من جذب شرائح متنوعة من المستثمرين، أخذًا بالاعتبار أن هؤلاء المستثمرين قد لا يكون لديهم الكفاءات المتخصصة لتقييم مخاطر الملاءة المالية للمصدر على مستوى كل طرح يرغبون المشاركة فيه، أو قد لا يكون لديهم الوقت المخصص لذلك. فبالتالي وجود تصنيف ائتماني سيساهم في زيادة جاذبية السوق لشرائح متنوعة من المستثمرين كمدراء الأصول، والأوقاف، والمكاتب العائلية، والمستثمرين ذوي الثروة العالية وغيرهم. 2- وأيضًا نشرت الهيئة مشروع تعديل لائحة صناديق الاستثمار ويهدف المشروع إلى السماح للصناديق العامة بالاكتتاب في أدوات الدين المطروحة طرحاً خاصاً في حال صدورها عن مُصدرين من داخل المملكة. ثانياً: زيادة جاذبية السوق للمصدرين 1- قامت الهيئة مؤخرًا بنشر قواعد طرح الأوراق المالية والالتزامات المستمرة المحدثة والتي تهدف لتحسين الأطر التنظيمية لطرح أدوات الدين بزيادة جاذبية سوق الصكوك وأدوات الدين المحلي للمصدرين عبر تمكينهم بتسريع عملية الإصدار والحصول على التمويل المطلوب وبتكاليف أقل. 2- وفي ظل وجود الاهتمام والتوجهات المحلية والدولية لتمويل المشاريع الخضراء، فجارٍ العمل على تطوير الإطار التنظيمي لأدوات الدين المستدامة لتعزيز ثقة المستثمرين والشفافية في السوق. ثالثاً: تطوير البنية الأساسية للسوق 1- تعزيزًا لكفاءة تداول أدوات الدين وتقليل التكاليف المرتبطة بها، نعمل على تطبيق نموذج الحسابات المجمعة في سوق أدوات الدين، وتفعيل صناعة السوق عبر إتاحة نموذج عمل وإطار محفزات. 2- كما تم الترخيص في قبل عدة أشهر ولأول مرة في السوق المالية السعودية، لنظام تداول بديل (Alternative Trading System) مقدم من إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال، والذي نطمح أن يساهم في تيسير التداول لأدوات الدين وإتاحة خيارات متعددة لمستثمرين للاستثمار والتداول في السوق، وممكن أن نرى المنصة تمارس نشاطاتها العام القادم. *بالحديث عن المبادرات، دعنا نتحدث عن مشروع التحسينات التنظيمية لطرح أدوات الدين، هل لك أن تطلعنا على بعض التفاصيل الخاصة بهذا المشروع؟ - نعم، واسمح لي أن أجيبك بتوسع في هذا الجانب، لأهميته في تطوير هذا السوق، حيث انتهينا مؤخراً من استطلاع مرئيات العموم حول مشروع يعنى بتحسين الإطار التنظيمي لطرح أدوات الدين ونشره ضمن قواعد طرح الأوراق المالية والالتزامات المستمرة المحدثة، وهو مشروع جاء بهدف تعميق سوق الصكوك وأدوات الدين وتنوع الإصدارات والمصدرين، وبالتالي زيادة جاذبية هذه القناة التمويلية للمصدرين وخاصة الشركات المدرجة، كما أن المشروع سيسهم في تسريع عملية وصول المصدرين للتمويل عبر سوق الصكوك وأدوات الدين وتقليل التكلفة المرتبطة بها، هذا بالإضافة إلى تعزيز وضوح المتطلبات التنظيمية لطرح الصكوك وأدوات الدين، وكل هذه الأهداف والآثار المرجوّة تندرج ضمن التوجهات والمساعي الحثيثة من الهيئة للنهوض بسوق الصكوك وأدوات الدين، لأننا كما ذكرت، نؤمن يقيناً بأن هذا السوق عنصر جوهري في تمويل ونمو الاقتصاد ونشاطاته، لذا فنحن ماضون قدماً في تقديم كل الحلول الممكنة للوصول إلى أهدافنا سوء بالتطوير أو التمكين مع الحفاظ على مبدأ الشفافية والعدالة وحماية المستثمرين في السوق. كذلك قامت الهيئة بإجراء تعديلات نوعية على الإطار التنظيمي لطرح وتسجيل أدوات الدين، وذلك بتحديث المتطلبات التنظيمية للطرح المستثنى، والطرح الخاص، والطرح العام للصكوك وأدوات الدين، ومن أبرز التعديلات التي تمت على المتطلبات التنظيمية للطرح المستثنى، السماح للصناديق والبنوك التنموية الوطنية والصناديق السيادية المحلية بطرح أدوات الدين طرحاً مستثنى وفق ضوابط وشروط محددة، وبما يخدم تمويل الجهات الإستراتيجية في المملكة عبر سوق الصكوك وأدوات الدين. في حين كان من أبرز التعديلات على الإطار التنظيمي للطرح الخاص عدم فرض مدة زمنية محددة لإشعار الطارح للهيئة قبل البدء في عملية الطرح، بحيث يستطيع إشعار الهيئة والبدء بعملية الطرح فوراً بما يخدم الاحتياجات التمويلية للشركات وتسريع حصولهم على التمويل المطلوب، إلى جانب تعزيز كفاءة عملية تقديم الإشعارات للهيئة ومراجعة الهيئة لتلك الإشعارات. أما عن أبرز التعديلات على الإطار التنظيمي للطرح العام فتضمنت شروط ومتطلبات الطرح، واشتملت على تسهيل متطلبات المستندات المؤيدة بما يساهم في تسريع عملية إعداد مستندات التقديم للمصدرين خصوصًا للشركات المدرجة في السوق فانخفضت المستندات المطلوب تقديمها من المصدرين والمستشارين بأكثر من 50%. كما تضمنت التعديلات تحسين مستوى متطلبات وتسهيل استيفائها إعداد نشرة الإصدار بر تخفيف المتطلبات وتمكين تفعيل آلية التضمين المرجعي في نشرة الإصدار للبيانات والمعلومات المعتمدة والمفصح عنها بإضافة رابط إلكتروني لها. ومن المتوقع أن تساهم التعديلات على تفعيل سوق الصكوك وأدوات الدين المحلي على زيادة جاذبية سوق الصكوك وأدوات الدين كقناة تمويلية للمصدرين، بما يساهم في تعميق السوق وتفعليه كإحدى القنوات الرئيسية لتمويل الاقتصاد الوطني.
مشاركة :