لا يخلو بيت من مشاكل، وإن اختفت حينا فلا بد أن تظهر في أحيان كثيرة، فهذا واقع الحياة، وهو واقع مشهود ومحسوس. وفي سبيل الحفاظ على الحياة الزوجية واستمراريتها، وضع القرآن تعاليم للزوجين تساعد على تحقيق ذلك، إن صدقت عزيمتها. وتسير خطوات المعالجة متسلسلة كالآتي: 1. الزوجان يبدآن الإصلاح: فهما أعلم بما بينهما، وهما أقدر الناس على تدارك الشقاق وفتور العلاقات بينهما، وقد تكفي كلمة عتاب رقيقة، واعتذار عن هفوة، في إصلاح ما بينهما: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) النساء: 128. 2. الحكمان يحاولان الإصلاح: وإذا عجز الزوجان عن الإصلاح بينهما، وسارت الأمور إلى الأسوأ، فلا مناص من تدخل خارجي، ويكون ذلك باختيار حكم من قبل الزوج، وحكم من قبل الزوجة، يفترض في كل منهما الحرص على استمرارية الحياة الزوجية. (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) النساء: 35. 3. لا حل إلا الطلاق: وإذا فشلت كل الوسائل لتحقيق المصالحة بين الزوجين، وبدت المعيشة بينهما مستحيلة، فلا مناص من اللجوء إلى الطلاق. على أن الطلاق في الإسلام لا يعني الفرقة الدائمة بين الزوجين، إلا في حالة خاصة، وفيما عداها فهو تفرقة بينهما إلى حين، لعلها تكون عاملا نفسيا يساعد على تهدئة النفوس الثائرة، وتضميد الجراح الحقيقية والمتوهمة، وهنا يسير الطلاق وفق قيود وضوابط، تعمل جميعها من أجل كبح الفرقة الدائمة كالآتي: أ- الطلاق في طهر: فقد طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، فردها، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا طهرت فليطلق أو يمسك). ب- الرجوع عن الطلاق في فترة العدة: تعرف العدة بأنها المدة التي تتربص فيها المرأة بعد طلاقها أو وفاة زوجها كي يحل لها الزواج من غيره، وقد أمر الله بإحصاء العدة، نظرا لأهميتها في الحياة الزوجية، فقال: ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة﴾ الطلاق: 1. وبالنسبة للمرأة العادية، ذات الحيض المنتظم، فقد حدد القرآن العدة بثلاثة قروء، فقال: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ البقرة: 228. والقرء -لغة- هو الحيض، وهو أيضا الطهر، فهو من الأضداد، وبذلك يكون على المطلقة أن تمكث بعد طلاق زوجها لها طلاقا صحيحا مدة ثلاثة قروء، أي بعد وقوع ثلاث حيضات بعد الطلاق، قبل أن يحل لها الزواج بآخر. ولقد أمر الله بإبقاء الزوجة المطلقة في منزل الزوجية خلال فترة العدة، إلا في حالة ترديها في البذاءة والفحشاء، بل إن الله كرمها إذ سمى منزل الزوجية بيتها، فقال: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا الطلاق: 1. ولا شك أن الحكمة من فترة العدة ومعيشة الزوجين خلالها في بيت الزوجية الذي سماه الله بيتها -من غير معاشرة جنسية- إنما لتكون سبيلا إلى استعادة النفوس صفاءها، وتضميد الجراح. وخلال فترة العدة يستطيع الزوج مراجعة زوجته وإعادتها لعصمته دون حاجة إلى عقد جديد أو مهر جديد: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا البقرة: 228. لكن الأمر ليس عبثا، فقد حسبت هذه طلقة. ج- الطلاق مرتان: لقد سمح الله بإيقاع الطلاق مرتين اثنتين فقط، يستطيع الزوج خلال عدتها مراجعة زوجته دون عقد ومهر، كما يحق له أن يعود إلى الزواج منها إذا انقضت عدتها ولم يراجعها فيها ولم تتزوج هي من رجل آخر. أما إذا أسرف الزوج على نفسه، وأوقع بزوجته الطلقة الثالثة، فقد بانت منه بينونة كبرى، وسواء انتهت الحياة الزوجية بالطلاق، أم استعيدت مرة أخرى، فقد أمر الله -سبحانه- بالمعروف والإحسان بين الزوجين: ﴿الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون * فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) البقرة: 229، 230.
مشاركة :