عبد الباقي يوسف* الحياة الزوجية السليمة، هي تأسيس لأسرة سليمة، وبالتالي لمجتمع سليم؛ ولذلك نرى أن القرآن الكريم يدعو إلى سلامة هذه العلاقة، خاصة عندما تنشب مقدّمات تؤدّي إلى شروخ في بُنية هذه العلاقة، وقد تنتهي بانهيار العلاقة الزوجية، ولعلّ من أكثر الأسباب التي تؤدّي إلى مثل هذه النهاية السلبية، النشوز، وقد بيّن الله -سبحانه وتعالى- كيفية التعامل مع النشوز عند وقوعه في سبيل إنقاذ الحياة الزوجية. يقول الله -جل شأنه- في سورة النساء، (الآية 34): [وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً]. قوله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن» أي: تظنون انحرافهن بموجب معطيات بلغتكم عنهن يعني أن النشوز لم يقع، لكنه على وشك الوقوع فأن تنشز زوجتك عنك، معناه أن تخرج عن طوعك، وتتمرّد عليك، فتعصي أوامرك، أي تنحرف عن سوية العلاقة الزوجية الطبيعية بين الزوج وزوجته. فنحن الآن أمام حالة الخوف من وقوع النشوز بموجب بعض المعطيات، والمؤشرات، فقد بدرت منها بوادر تشير للزوج إلى أنها على وشك أن تُصبح ناشزاً، فللنشوز بداية، والمرأة تبدأ به بتدرّج، حتى تصل في نشوزها على الرجل، إلى أن تعصي له كل أمر.في هذا الجزء من الآية الكريمة، وتجنّباً لذاك الشكل المريع من الانهيار العائلي، وكي يبقى الرجل محافظاً على قوامته، وشخصيته في أسرته، نكون أمام بيان قرآني، يتألف من ثلاث مراحل، كل منها تقتصر على علاج حالة من حالات ظهور أعراض النشوز على المرأة، وهي مقيّدة بتنفيذ شروطها، حتى تأتي بنتائجها. الموعظة الحسنة [وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ]. بعد أن تجلّت لك الأعراض، يُخبرك الله -تعالى- بأن المرحلة الأولى لعلاج هذه الحالة في الزوجة هي الموعظة، فتجلس إلى زوجتك عندما تلمح منها بوادر النشوز، وتعظها؛ حيث تشرح لها أسس الحياة الزوجية السليمة، فلعل امرأة ما قد أثّرت عليها، أو لعلّ الشيطان وسوس لها بشيء، أو خطر لها خاطر بغتة. هنا عليك أن تقعد إلى زوجتك، تُطيّب خاطرها: [فَعِظُوهُنَّ]. فتبدأ بما أمرك الله من موعظة حسنة هادفة، كأن تُعزز لديها الشعور بالمسؤولية تجاه البيت، فتحدثها عن مآثر بعض النساء الصالحات، وتروي لها بعض أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، مثل: «إذا صَلَّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها وحفظت فَرْجَها؛ وأطاعت زوجها قِيلَ لها: ادخُلِي الجنة من أيِّ أبواب الجنة شِئْتِ». «ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» و«لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب». و«أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح» وفي رواية: «حتى تراجع وتضع يدها في يده».فلعل هذه الخطوة الأولى في الإصلاح تجعلها تُراجع نفسها، وتتعظ، فيعود الأمر بينكما إلى ما كان عليه من صلاح، فيعفيك ذلك مما هو أكبر من الموعظة. هجر بلا إحراج فإن لم تنفع الموعظة الحسنة، والكلم الطيب، تبدأ بالخطوة الثانية التي أرشدك الله إليها كي تُعيدها إلى رشدها، فتهجرها في المضجع.ونرى أن يهجرها في العشرة، والملاطفة، كي يشعرها بأنه غير راض عنها، و أن يبقى ذلك حصراً بين الزوج والزوجة في دائرة البيت، فإن حضر ضيوف، أو كانا في ضيافة، فعليه ألاّ يُبدي الخلاف أمام الآخرين، تجنّباً لإحراج زوجته، وتجنّباً لتدخّل البعض.في السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري، أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا؟ قال: «أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوَجْهَ ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُر إلا في البَيْتِ». العلاج الأخيرفإن لم تنفع المرحلتان، يوجهك الله -تعالى- إلى استخدام المرحلة الثالثة بما يتلاءم مع المرحلة المتقدّمة التي بلغَتها من تفعيل النشوز، ففي المرحلتين السابقتين، كان العلاج نفسياً من خلال جلسات حوارية، ووعظية، وعند عدم الاستجابة، ينتقل الزوج من الجلسات الحوارية، إلى الأفعال، بما يتناسب مع ما بلغت الزوجة من حالة متقدمة في العصيان؛ حيث لم تستجب للمرحلتين النفسيتين السابقتين: [وَاضْرِبُوهُنّ] وليس الضرب من أجل الإيذاء، بل من أجل أن ترتدع عن النشوز، لأن عاقبة النشوز كيفما قلّبتها ليست محمودة.رُوي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: (كنا معاشر قريش تملك رجالنا نساءهم، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم تملك رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم فذئرن على أزواجهن، فأذن في ضربهن فطاف بحجر نساء النبي صلى الله عليه وسلم جمع من النسوان كلهن يشكون أزواجهن، فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم»).وقال سفيان بن عُيَينة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَضْرِبوا إماءَ اللهِ». فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرَت النساء على أزواجهن. فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أطافَ بآل محمد نِسَاءٌ كثير يَشْكُونَ أزواجهن، ليس أولئك بخياركم») رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.وهذا ما عليك أن تتردّد في استخدامه ما أمكن حتى يثبت لك يقيناً بأن زوجتك قد بلغت تلك المرحلة المتقدّمة التي لم يعد يجدي معها سوى العلاج الأخير الذي يسبق الانفصال، فحينئذ، تستخدم إرشاد الله كي تعود زوجتك إلى صوابها، وتذكّر بأن ضربك لها هو من باب العلاج، وليس الإيذاء، فلا يكون الضرب مؤلماً، ولا يترك أي أثر على البدن، ولا يكون على الوجه. في حديث رواه عكرمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضرباً غير مبرّح».ويقول عطاء: (قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه). ثم في كل هذا عليك أن تتقيّد بملازمة كل وصفة لمرحلتها، فلا يجوز لك أن تبدأ بالثالثة، ثم تعود إلى الثانية، أو تبدأ بالثانية، ثم تعود إلى الأولى، لأن ذلك هو قفز على سوية العلاج والتدرّج فيه. سلوك مرفوضوقوله تعالى: [فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ] بيان بأن النشوز هو خروج الزوجة عن طاعة زوجها، فها قد أتى العلاج بنتيجته، وتعافت امرأتك، وعادت إلى سالف صلاحها وعهدها معك بعد أن أحسنتَ استخدام إرشاد الله بحكمة سواء أكانت زوجتك قد استجابت لها في المرحلة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة، وعندئذ عليك أن تستجيب لقول ربك حتى يدوم بينكما الصلاح، وهو يقول لك: [فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً] فإن استجبن لهذا العلاج، كفّوا أنتم أيضاً عن استخدام ما سبق، فذلك يدخل في باب التجنّي. أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيضرب أحدكم امرأته، كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم». فلعل الرجل يبقى مستمراً فيما هو عليه من عتاب، أو تغليظ، أو قطيعة، أو ضرب، وهذا ظلم بحق المرأة، لأن لاشيء يستوجب ذلك، فقد تكلل العلاج بالنجاح بفضل الله، وعادت إلى صوابها، لكن الرجل رغم ذلك لبث على عقابه لها، وعندئذ يأتي تحذير الله له: [إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً] فهو قادر على أن يردعكم عن ظلمكم لهن بما يشاء، وقادر على الانتقام لهن منكم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَيرُ النساءِ امرأةٌ إذا نَظَرْتَ إليها سَرَّتْكَ وإذا أمَرْتَها أطاعتكَ وإذا غِبْتَ عنها حَفِظتْكَ في نَفْسِها ومالِكَ». «نعم.. أنت» عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت». *أربيل - العراق
مشاركة :