«تابو سينما جيل الثمانينات» في مرآة أحمد شوقي

  • 5/13/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كانت موجة الواقعية الجديدة في الثمانينيات، أول موجة حقيقية تشهدها السينما المصرية. جيل من المخرجين صعد محملاً بأحلام وأعباء وانكسارات وانتصارات على المستويين الاجتماعي والسينمائي. في كتابه الثاني «محظورات على الشاشة - التابو في سينما جيل الثمانينيات»، يحاول الناقد الشاب أحمد شوقي الولوج إلى عالم سينما مخرجي الموجة – التي اصطلح نقاد ذلك الوقت على تسميتها بالواقعية المصرية الجديدة - مستخدماً في ذلك مشاهداته لأفلام أهم مخرجيها وهم: داود عبد السيد، محمد خان، عاطف الطيب، خيري بشارة، ورأفت الميهي في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات. المتابع لكتابات أحمد شوقي النقدية، يلاحظ مدى تعمقه في استقراء السينما العربية والمصرية بصفة خاصة، محاولاته الجريئة لاقتحام بعض المناطق التي تم تناولها من قبل أكثر من مرة، وهو تعمق إن دل على شيء، فهو أن شوقي يعي جيداً ما لديه من أدوات نقدية، ويستطيع توظيفها في إعادة اكتشاف لمناطق مجهولة في أفلام تبدو مألوفة على مدار سنوات طوال، نقداً وبحثاً وتحليلاً. هنا يتخلى شوقي عن عباءة الناقد المنفصل الجالس كما الرب يشرح الأفلام من علٍ، من دون تدخل في صميم بنيان الفيلم. وعلى رغم من أن مقالاته التي جمعت في الكتاب لتؤرخ لمرحلة سينمائية مصرية شديدة الخصوصية لا تحوي سرداً ذاتياً، أو اعترافات تربط ما بين الكاتب ومشاهداته، إلا أنك تلمح حماسة شاب سينيفيل، يطوع أدواته الكتابية والتحليلية لاحتفائه بجرأة أيقوناته الإخراجية.   شجاعة يدفعك الكتاب كقارئ لتقدير هذه الشجاعة في التعامل مع تابوات طالما أرقت أذهان مبدعي العالم العربي وهي على التوالي: الدين والسياسة والجنس، وإن كان اهتمام شوقي منصباً بصورة ذهنية وكتابية على التابو الأخير تحديداً. يعيد شوقي اكتشاف مناطق غير مطروقة في العديد من الأفلام، بل يستخدم فهمه الخاص وبناءه النقدي، في إعادة النظر لبضعة مفاهيم كانت تعد من المسلمات؛ مثل سحب تعبير سينما الفانتازيا على مشروع المخرج رأفت الميهي بأكمله، في حين أن هذا المخرج شديد الخصوصية والتفرد يتميز أسلوبه الإخراجي بالإغراق في الواقعية المطعمة بعناصر الخيال العلمي، والمحاكاة الساخرة «البارودي». أو تحديد مستويات السرد الأعلى في تفسير فيلم «أرض الخوف» لداود عبدالسيد، كونه أكثر من مجرد فيلم يكسر التابو الديني ممثلاً في هبوط آدم على الأرض وعصيان، والإشارة المهمة لكون شخصية نوال في فيلم «موعد على العشاء» لمحمد خان دون كيشوتية، في سابقة ربما تعد الأولى من نوعها أن يضطلع مخرج لتمثيل شخصية فارس حالم يحارب الكون عبثاً فيكون مصيره الفشل، بصورة امرأة وليس رجل كما رسخته الحكايات في الذهن. محاولات شوقي الجادة في الغوص داخل أعماق فيلم تلو الآخر، هي قماشته الرحبة التي يفردها أمام القارئ ليدخله عالماً شديد التعقيد. يفتح أمامه الستار، ويدخله كواليس العمل السينمائي، لا على غرار صحف الفضائح التي تهتم بإزاحة النقاب عما جرى بين أبطال الفيلم من مشاحنات وغراميات، لكن على طريق الراوي العليم، الذي يزيح الستار عما حدث بين شخوص الفيلم وأحداثه، فيصبح لقاء جنسي عابر انعكاس لهزيمة وطن، ومشهد قتل هو تنويع على فساد سياسي ضخم. يهتم شوقي أيضاً برصد علاقة المكان بالحالة السينمائية التي يحللها، في أكثر من مقال اهتم شوقي بتحليل علاقة المكان بالعمل الفني الذي يدور فيه، عن وعي نقدي عال بأهمية جميع العناصر المكونة للعمل السينمائي في اكتماله أو فشله. هنا في «محظورات على الشاشة»، يحاول شوقي قراءة علاقة العاصمة بتجارب المخرجين الخمس، وتغير رؤيتهم الإخراجية، عند الخروج من هذه العاصمة وقياس مدى نجاح الجيل المرتبط ارتباطاً كلياً بالقاهرة، في سبر أغوار المدن المصرية الأخرى.   تفكيك ي نهاية الكتاب، يقوم شوقي بتفكيك موجة الواقعية الجديدة من ناحية منهجية الصناعة السينمائية ذاتها، وكيف أنها لم تحدث ثورة فقط على مستوى السرد والموضوعات وكسر التابوهات، ولكن على مستوى تقني منهجي، اتخذه الخمس أبطال الذين تصدروا المشهد في كتاب شوقي ليصبحوا هم متصدرو المشهد في أعمالهم، وليس النجم أو النجمة، كما جرت العادة في السينما المصرية. إضافة إلى هذا فهو اهتم بتفسير المصطلحات التي قد تكون عصية على الفهم بالنسبة لغير المتخصصين وإضافة المصطلحات بالإنجليزية مع الشرح المبسط بالعربية، مما يدل على وجود عقل واع وراء كتاب يستحق القراءة والاقتناء. ذكرت في مقدمة المقال أن الكتاب يعد الثاني لكاتبه، وهي حقيقة مؤسفة، فالكتاب الأول شديد الأهمية بعنوان «داود عبد السيد - محاورات أحمد شوقي»، لكنه غير متوفر في أي مكتبات، كونه لم يوزع بصورة تجارية، وكان فقط من ضمن المطبوعات المصاحبة لمهرجان الإسكندرية السينمائي الثلاثين لدول البحر المتوسط. وهذا الكتاب يعد وجبة دسمة لمحبي السينما بشكل عام، ومحبي فن داود عبد السيد بشكل خاص، وهو إضافة إلى كونه كتابا تثقيفيا بشكل كبير، إلا أنه أيضاً شديد الإمتاع، ويدل على أن لدى أحمد شوقي الكثير مما يريد أن يضيفه لفضاء الثقافة السينمائية الآخذة في الانتشار، ببطء، ولكن بثقة.

مشاركة :