ترسم التطورات الناجمة عن مشروع تعديل قانون العمل، صورة بائسة لفرنسا وللحكم الاشتراكي الذي يدخل قريباً سنته الخامسة والأخيرة. هذا المشروع الذي أريد منه إنعاش سوق العمل ولجم تصاعد البطالة، من خلال إضفاء قدر من المرونة على إجراءات الصرف المعتمدة حالياً، أفرغ من مضمونه وفقاً للمعارضة اليمينية التي أيدته بداية وباتت تعارضه، وهو مجحف بحق العاملين وفقاً لبعض النقابات العمالية والحلفاء اليساريين للحزب الاشتراكي. لكن الغضب حيال هذا المشروع الذي شكل على مدى الأسابيع الماضية محوراً لاحتجاجات عديدة لم تخل من العنف، تصاعد مجدداً عقب قرار رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس اللجوء الى وسيلة استثنائية هي البند ٤٩/٣ من الدستور الذي يجيز لحكومته اعتبار مشروع التعديل قانوناً نافذاً دون اقتراع البرلمان عليه. بديهي أن تثير هذه الخطوة حفيظة المعارضة اليمينية التي طرحت الثقة بالحكومة في خطوة أيدها بعض نواب اليسار مثل الحزب الشيوعي، لكنها أدت الى سابقة غير مألوفة في الحياة السياسية الفرنسية تمثلت بسعي النواب الاشتراكيين الذين يوصفون بـ «المتمردين» لطرح الثقة بالحكومة المنبثقة من صفوفهم. هذه المحاولة فشلت لأنه تعذر على المتمردين الحصول على أكثر من تأييد 56 نائباً، في حين أنهم في حاجة لتأييد 58 لطرح الثقة، لكن وطأة هذا المسعى رغم فشله مؤذية جداً للحكم الاشتراكي والرئيس فرنسوا هولاند الذي يعد لخوض معركة الرئاسة مجدداً عام 2017. وما يمكن استنتاجه من هذه الأجواء هو مدى الضعف والتصدع اللذين أصابا الصف اليساري عموماً والاشتراكي خصوصاً، على مدى أربع سنوات من توليه الحكم في فرنسا. وهو مضطر للمضي في إدارة شؤون البلاد واتخاذ القرارات، في حين أنه بات فاقداً للسيطرة على غالبيته ومضطراً للجوء الى القوانين الاستثنائية لتمرير إصلاحاته، وسط توتر بالغ في صفوفه، حيث سمعت تصريحات من مسؤولين اشتراكيين تدعو لتحديد موقف من «المتمردين». ويسود توتر من نوع آخر في الشارع الفرنسي، حيث شهدت باريس ومدن فرنسية أخرى مجدداً امس، تظاهرات احتجاج على مشروع القانون بدأت تتسبب في مضايقات فائقة للمواطنين نظراً لما ينجم عنها من عرقلة لوتيرة حياتهم اليومية وللتجار الذين يخشون الأضرار التي قد تلحق بهم من إجراء العنف الذي يرافق غالباً هذه التحركات. ومن المستبعد أن يؤدي إقرار مشروع القانون الى وقف التحركات، إذ إن النقابات العمالية وبعض الاتحادات الطالبية أبدت عزمها على مواصلة الاحتجاج، الى أن تسحب الحكومة المشروع، مما يشير الى أن الأيام المقبلة ستتسم بالتصعيد. والمؤكد أن كل هذا لا يساعد في استعادة الثقة المعدومة بين المواطنين والطبقة السياسية بأكملها، علماً بأن صفوف المعارضة اليمينية ليست أكثر تماسكاً من الصف اليساري، بل تشهد تناحراً يومياً بين أقطابها في اطار التنافس على ترشيح حزب «الجمهوريين» (اليمين المعارض) للرئاسة. في هذه الأثناء، دافع الرئيس فرنسوا هولاند الذي لم يعد لديه ما يخسره بعد تدني شعبيته الى مستوى 13 في المئة، عن مشروع القانون خلال زيارته امس إحدى المؤسسات الإنتاجية، وقال انه نص يدفع فرنسا نحو التقدم وأقر بأنه يثير نقاشات متعددة لكنه مبني على الثقة.
مشاركة :