لا تزال ظاهرة الحسابات الوهمية تتزايد يوماً بعد يوم دون تحرُّك مسؤول من الجهات المعنية للقضاء على هذه الآفة التي تهدد المجتمع. رغم التحذيرات المتكررة من خطورة الحسابات الوهمية على وسائل التواصل وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات والسّلم الأمني للبلاد، نتيجة ما تنشره من معلومات كاذبة وشائعات بهدف تضليل الرأي العام، فإن هذه الظاهرة في تزايد يوماً بعد يوم، ولعل خير دليل على ذلك كثرة بيانات التصدي من الجهات الحكومية التي تنفي أخبارها الكاذبة. ومع الاتفاق على مساهمة تلك الحسابات في نشر الأكاذيب وتزييف الحقائق لتحقيق أهداف معيّنة، تثار العديد من التساؤلات، ما هي الحسابات الوهمية؟ وكيف تسهم في زعزعة الثقة بالمجتمع؟ وما الدور الذي يجب أن تؤديه الدولة والأفراد لمواجهتها؟ وكما هو معلوم، فإنّ الحسابات الوهمية هي شخصيات رقمية مزيفة على الإنترنت تُدار من قبل أفراد مجهولين أو مجموعات منظمة، الغرض منها نشر معلومات غير موثوقة أو مسرّبة، والتأثير على الرأي العام واستخدام الإثارة لزيادة التفاعل، من دون مراعاة للأضرار التي تُحدثها في المجتمع. وتطلّ الحسابات الوهمية بأشكال قبيحة مختلفة، وتختلف في أهدافها وأساليبها، فمنها من ينتحل صفة شخصيات أو جهات رسمية ويغرّد باسمها، لأغراض شخصية من ضمنها الاحتيال، ومنها التي تُنشأ بأسماء غير معروفة، وتستخدم أداة لأطراف يقفون وراءها لنشر الأخبار الكاذبة لأغراض سياسية وغيرها، وتحرص على تنوّع مصادرها في استقاء الأخبار منها. وظهرت خطورة الحسابات الوهمية خلال جائحة كورونا، عندما تزايدت في بثّ سمومها ونشر أكاذيبها، في الوقت الذي كانت الجهات الحكومية مشغولة بمواجهة الفيروس، والعمل على الحد من انتشاره، إلا أنها أدركت أهمية أن يكون في موازاة ذلك التصدي الفوري للشائعات ونفيها في وقتها، خاصة بعد أن تسببت في نشر الذعر بين الناس وقتها، والتشكيك في القرارات الحكومية، وزيادة تعقيد الجهود المبذولة لمكافحة الأزمة، لكن كان لمركز التواصل الحكومي والناطق الرسمي دور كبير في دحضها. وعلى الرغم من وجود قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لعام 2015، فإنه يواجه تحديات في معالجة الحسابات الوهمية بشكل مباشر، وتبقى هناك ثغرات تشريعية، تستدعي - وفق المراقبين - إقرار قانون خاص بمكافحتها، ولعل من أبرز تلك الثغرات «غياب العقوبات الصارمة، حيث لا توجد عقوبة رادعة بشكل واضح للأشخاص الذين ينشئون حسابات وهمية، إضافة إلى أن غياب التنسيق وتداخل الأدوار بين أمن الدولة والجرائم الإلكترونية يحدان من فعالية تطبيق القانون». وتمارس الحسابات الوهمية الابتزاز والتهديد، بهدف فرض قوتها عبر تسريب أخبار حساسة، بغرض التأثير على القرار أو الابتزاز، وما يزيد من قوتها هو تفاعل بعض المتابعين معها. ويرى المراقبون أن الحلول المقترحة تتمثل في تعزيز القوانين، حيث يجب تعديلها لتغطية الحسابات الوهمية بشكل شامل، مع تحديد عقوبات صارمة لنشر الأكاذيب أو استغلال النفوذ، إضافة إلى ما سبق ذكره، بإنشاء قانون خاص بها، بجانب زيادة الوعي المجتمعي، عبر إطلاق حملات توعية بأهمية التحقق من المصادر، وعدم الانجرار خلف الأخبار المضللة، وتطوير أدوات تقنية لمراقبة الحسابات الوهمية ومنع انتشارها، بجانب تقديم المعلومات الصحيحة بسرعة وشفافية لمواجهة الأخبار المزيفة. أخيراً، وليس آخرا، فإن الحسابات الوهمية ليست مجرد تحدّ تقني، بل هي أزمة اجتماعية وأخلاقية تحتاج إلى تكاتف الجهود بين الحكومة، والمجتمع، والإعلام، والتصدي لها يبدأ من وعي الأفراد ومسؤوليتهم تجاه المعلومات التي يستهلكونها وينشرونها، وينبغي علينا، كمجتمع يتميز بتقاليده الراسخة وقيمه القائمة على الاحترام والتآزر، أن يتجاهل تلك الشخصيات التي تفتقر إلى المصداقية، ولا يعير اهتمامًا لأقوالها، إذ إنها غالبًا ما تهدف إلى خلق صراعات وهمية لا وجود لها، مما يعرّض النسيج الاجتماعي للخطر بلا مبرر. مسؤولون يستخدمون الحسابات الوهمية للتخلص من خصومهم أكد المحامي حسين العبدالله أن الحسابات الوهمية، وفقًا للقانون، هي تلك الحسابات التي لا تحمل تعريفًا قانونيًا بأسماء الأشخاص الذين يديرونها، ولا تخضع لأي حماية قانونية، كما أن من يديرها لا يتمتع بأي مركز قانوني، لأنها في الأصل حسابات وهمية. وأضاف العبدالله، في حديثه لـ «الجريدة»: «وفقًا لنص المادة 19 من قانون الجرائم الإلكترونية، فإن هناك ضباطًا متخصصين يتولون التحري عن الجرائم الإلكترونية، وبالتالي، إذا ارتُكبت جرائم من قبل بعض الحسابات الوهمية بحق أشخاص معينين تتضمن المساس بسمعتهم أو كراماتهم، أو الاعتداء على ذممهم المالية، أو حتى المساس بالذات الإلهية أو المعتقدات الدينية، أو أي جرائم أخرى وردت نصًا في قانون الجرائم الإلكترونية، فإن الجهة المسؤولة عن التحرك لملاحقة وكشف أصحاب هذه الحسابات هي إدارة الجرائم الإلكترونية، التابعة للمباحث الجنائية». وتابع العبدالله: وقد كشف الواقع العملي أن هناك حسابات وهمية نشطة وفعالة، مما يدفع الكثيرين إلى متابعتها والاعتراف بمصداقيتها، وفي بعض الحالات، يلجأ مسؤولون إلى تسريب معلومات عبر هذه الحسابات لإلحاق الضرر بخصومهم، أو التخلص من مسؤولين معيّنين، أو الكيد لهم بنشر معلومات قد تكون حساسة أو مضللة، أما أصحاب الحسابات الوهمية فيحصل بعضهم على المعلومات من الصحف، وبعضهم من القنوات الفضائية، أو من المدونات الخاصة، أو من القروبات المغلقة، وأحيانًا من بعض المسؤولين أنفسهم.
مشاركة :