وقالت مريم وهي زوجة عضو في البرلمان منتم لحركة إنصاف، احتُجزت لفترة وجيزة "ليس من السهل أن تكون سياسيا في باكستان". بعدما فر زوجها وتوارى احتُجزت مريم تحت تهديد السلاح واقتادها "مجهولون" إلى سيارة لاستجوابها، وهي مذّاك الحين تعيش في "خوف دائم". منذ عقود يخشى الساسة الباكستانيون الانقلابات والتوقيفات والحبس والاغتيالات. وفي حين تعرّض كل الأحزاب لقمع في مرحلة معيّنة، يواجه خان وحزبه حملة قمع تقودها السلطات، تكثّفت في العام 2023. وتم توقيف عشرات من قادة الحزب أو أجبروا على التواري، كما تم اعتقال آلاف من المناصرين. مريم التي طلبت عدم كشف كامل هويتها خوفا من تعرّضها للانتقام، كانت تعتقد أن الاستهداف ينحصر بزوجها. لكنها لم تصب في توقعها، إذ بعد أسابيع وجدت نفسها محاصرة في سيارتها قبل اقتيادها إلى سيارة أخرى. وقالت لوكالة فرانس برس "استجوبوني بشأن زوجي أثناء جولة في السيارة، ثم أفرجوا عني"، وأضافت "أعيش في خوف دائم على عائلتي وأولادي". جهة مجهولة لطالما اتّهمت منظّمات حقوقية وكالات الاستخبارات في باكستان بـ"إخفاء قسري" لنشطاء ومعارضين وصحافيين في إطار ممارسة ضغوط. خالد، العضو في حركة إنصاف والذي طلب بدوره عدم كشف هويته، قال لفرانس برس إنه يعاني "تأثيرات ما بعد الصدمة" منذ أن "اختطف" في تموز/يوليو. وأضاف "أخشى أن يخلع مجهولون مجددا بابي في الرابعة فجرا وأن يقتحموا منزلي". وهو لفت إلى أن أصدقاءه ما عادوا يتّصلون به خشية أن يكون هاتفه مراقبا. بعدما بقي أسبوعا في مكان لا يعرفه ولدى جهة مجهولة، أُحضر خالد للمثول أمام محكمة أمرت بإيداعه الحبس الاحتياطي لأكثر من شهر. قالت المحامية المتخصّصة في قضايا حقوق الإنسان إيمان مزاري التي غالبا ما تتولى الدفاع عن نشطاء، إن الرجال المجهولين هم "دائما (عناصر) وكالات استخبارات، أو الجيش، بدعم من الشرطة وقوات شبه عسكرية". ولفتت إلى أنه في ظل "إفلات تام من العقاب عن الاستجابة غير المتناسبة للدولة"، لم يتمكّن قادة "إنصاف" من حماية نشطاء الحركة في حملة القمع الأخيرة. وطلبت فرانس برس من وزارة الداخلية التعليق على هذه المعلومات. وأطيح خان من رئاسة الوزراء في تصويت حجب عنه الثقة في العام 2022 في ظل تدهور اقتصادي، في حين أشارت تقارير إلى خلاف بينه وبين المنظومة العسكرية التي تتمتع بنفوذ كبير في البلاد وتوصف بأنها "صانعة الملوك". وأطلق بطل الكريكيت حملة غير مسبوقة ضد الجيش، متّهما العسكر بالتدخل في السياسة. وينظّم مناصروه تظاهرات يتخلّلها عنف في بعض الأحيان، وقد انتهى الأمر بالبعض منهم بأن أحيلوا إلى محاكم عسكرية سرية. وُجّهت عشرات التهم الجنائية لخان أدخلته السجن، في قضايا يقول إن الهدف منها منعه من خوض الانتخابات العامة المقرّرة في شباط/فبراير. "لا يقتصر على السياسة" في هذا الأسبوع، زحف أكثر من عشرة آلاف من مناصري خان إلى إسلام أباد حيث شلّوا الحركة في تظاهرة للمطالبة بإطلاق سراحه. وتم توقيف نحو ألف متظاهر كما قُتل خمسة من عناصر الأمن في اشتباكات مع المحتجين. وأشار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الحاكم والمنضوي في ائتلاف مع عدد من الأحزاب، إلى أن الحكومة تواجه "الفوضى والإرهاب". وقالت مقدّمة البرامج التلفزيونية والمحلّلة السياسية عارفة نور في تصريح لفرانس برس "عندما يقع نزاع بين أحزاب سياسية أو قادتها وبين المنظومة الحاكمة، ينصب عليهم غضب الدولة"، مشيرة إلى أن حملة القمع الحالية "يمكن أن تكون أكثر عدائية". المنظومة العسكرية التي حكمت البلاد لأكثر من نصف تاريخها منذ الاستقلال في العام 1947، قالت مرارا إنها لم تعد تتدخل في السياسة. وسبق أن تعرّض حزب شريف لتضييق ولحملة اعتقالات. وقد أُودع شقيقه نواز الذي تولى رئاسة الحكومة ثلاث مرات، السجن وأمضى نحو عقد من الزمن في المنفى بعدما أطيح بانقلاب في العام 1999. الخميس ندّد وزير التخطيط في باكستان إحسان إقبال بما اعتبره أداء خان دور الضحية، قائلا "كل الوزراء والساسة البارزين أودعوا السجن". وانتقل أزهر قاضي مشواني الذي شارك في إدارة شبكات تواصل اجتماعي تابعة لحركة إنصاف، إلى منفى في لندن بعدما احتُجز ثمانية أيام في العام 2023 على يد "رجال مجهولين بلباس مدني"، على حد تعبيره. وقال في تصريح لفرانس برس "احتُجزت في مكان مجهول وأُخضعت لاختبار كشف الكذب وتم استجوابي بشأن هيكلية فريق التواصل في حركة إنصاف وتمويله المفترض". كذلك احتُجز والده وشقيقه، علما بأنه يقول إن لا علاقة لهما بالحزب. في إسلام أباد، تقول سبأ إن شقيقها صبور فُقد أثره مدى يومين في تشرين الأول/أكتوبر في الفترة التي نظّمت فيها حركة إنصاف تظاهرات قرب منزل العائلة. وقالت "لا علاقة له بالسياسة، حتى أنه لا يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي". وارتأت فرانس برس عدم كشف كامل هويتها حرصا على سلامتها وسلامة شقيقها. وأضافت "لم يعد الأمر يقتصر على السياسة، يمكن توقيف أي كان في أي وقت".
مشاركة :