فترة الحكم العربي لزنجبار، ووسط ملابسات معقدة، تقع الأميرة الشابة سالمة بنت سعيد بن سلطان في حب التاجر الألماني هاينريش رويته الذي كان يقيم هناك. وبسببٍ من قصة الحب هذه ستأخذها الأقدار عام 1867 للعيش معه في ألمانيا بعد أن تزوجته. هناك ستصبح الأميرة مواطنة ألمانية وسيتغير اسمها إلى إميلي رويته. لسوء الطالع سيتوفى الزوج في حادث بعد ثلاث سنوات فحسب من رحيلها عن زنجبار، وبعد أن أصبحت أماً لثلاثة أطفال، لتبدأ بعدها رحلة كفاح شاقة، متنقلة بين عدة مدن ألمانية، مواجهة فضول الآخرين الذي ظلَّ يلاحقها حول جذورها الأرستقراطية، وحول الصورة الغرائبية المحيطة بالشرق في أذهان الألمان. ليست هذه قصة متخيلة افترضها كاتب روائي عربي أو أجنبي، وإنما هي قصة حقيقية قد حدثت بالفعل في القرن التاسع عشر. وكان يمكن لهذه الحكاية أن تكون ملهمة لكاتب يتخيل تفاصيلها، لولا سبب واحد في غاية الأهمية، هو أن الأميرة نفسها حباها الله موهبة الكتابة، فدونت حكايتها كاملة، أو دعونا للدقة نقول، فصولاً شيقة ومؤثرة من هذه السيرة، مستعيدة تفاصيل طفولتها الغنية، ورحلتها في الحياة في كتاب وضعته باللغة الألمانية التي كانت قد أتقنتها وحظي باهتمام كبير في ألمانيا ولدى القراء الأوروبيين حين تُرجم إلى لغات أخرى بينها الإنجليزية. عن ترجمتين مختلفتين إلى الإنجليزية للكتاب، إحداهما كانت في عام 1886، والثانية في 1905 وضع د. عبد المجيد القيسي ترجمة عربية له، لكن ترجمة عربية أخرى من اللغة الألمانية مباشرة وضعتها سالمة صالح صادرة عن دار الجمل أصبحت متاحة للقراء العرب منذ سنوات، وحظيت بانتشار واسع في سلطنة عمان ولدى القراء العرب عامة. المذكرات التي نشرتها الأميرة عام 1886 لم تكتبها للنشر في الأصل، فقد دونتها وهي في وضع نفسي وجسدي اعتقدت معه أنها لن تعيش حتى يبلغ أطفالها سناً تستطيع أن تروي لهم فيها شيئاً عن حياتها، لكن هناك، بين معارفها، من أقنعها بنشرها. ثمة جديد في الأمر، ذلك أن مترجماً عمانياً يتقن اللغة الألمانية هو زاهر الهنائي قدم للمكتبة العربية ترجمة لما وصفه بالجزء الثاني من مذكرات الأميرة، التي صدرت مؤخراً عن دار الجمل أيضاً، وحمل هذا الجزء عنوان رسائل إلى الوطن، ذلك أنه عبارة عن رسائل كتبتها الأميرة لما يفترض أنها صديقة لها في زنجبار لا يرد اسمها أبداً، تحكي فيها رحلتها الطويلة حتى بلغت ألمانيا، وما واجهته في حياتها هناك من مفارقات وفواجع وهي تجد نفسها على تخوم ثقافتين مختلفتين. د. حسن مدن madanbahrain@gmail.com
مشاركة :