استلهم الروائيّ السويسريّ لوكاس هارتمان السيرة الذاتيّة للأميرة العمانية سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان في روايته «وداعًا زنجبار». وهذه الرواية تُعد أول رواية تاريخية عن حياة الأميرة العمانية التي اعتنقت المسيحية بعد زواجها من تاجر ألماني، وهروبها من الحياة السلطانية المفعمة بالفخامة السلطانية إلى الحياة العادية جدًا مع زوجها الألماني، ثم اضطرارها إلى الحياة الملأى بالفقر والحاجة والتحديات الكبرى بعد وفاة زوجها وبعد أن وضعتها السلطات الألمانية القيصرية وأبناءها تحت الوصاية. وإذا كانت هذه الأميرة العمانية الزنجبارية التي تحوَّل اسمها إلى البرنسيس (إميلي رويته) قد كتب مذكراتها كي يعرف أبناؤها الصغار السيرة الحقيقية لوالدتهم الأميرة، فإن ثمة جوانب أخرى مسكوت عنها في هذه السيرة الذاتية التي اتخذت صيغة مذكرات، ساعدها في كتابتها أحد الكتاب الألمان. وقد قدّمت رسائل الأميرة العمانية مادة معضدة لكتابتها في المذكرات، وهي مادة استلهم منها الروائيّ السويسريّ لوكاس هارتمان متخيّلاً تاريخيًا لاستكمال السرد التوثيقي والأرشيف التاريخيّ. يبدأ لوكاس هارتمان فصول روايته باقتباسات من رسائل الأميرة العمانية إلى أخيها السلطان برغش، ويتراوح السرد في هذه الرواية بين زمن السارد المعاصر الذي يحيل إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة، وإلى زمن استعادي وهو زمن الأميرة العمانية سالمة في شتاتها المبعثر بين ألمانيا ثم يافا وبيروت ثم العودة مرة أخرى إلى ألمانيا. والشخصية المركزية في السرد هو ابن سالمة الأكبر الذي اسمته سعيدًا على اسم أبيها ثم اسمى هو نفسه رودولف. يقول هارتمان في مستهل الرواية: «معظم الشخصيات المذكورة في تلك الرواية كانت تعيش فعلاً. وقد قمتُ بتركيب الحقائق المعروفة عنهم، داخل مسارات الأحداث. أمّا الفجوات الخاصة بالسير الذاتية، فقد أتاحت لي مساحة حرة، لتتبع خيالي، وابتداع ما بدا لي محتملاً. بالطبع فإنني أقوم بتأويل الوقائع وخصائص الشخصيات على طريقتي أنا الذاتية. ما يعني: انَّ شخصيات الرواية مستوحاة من الأشخاص الحقيقيين، لكنهم ليسوا متطابقين معهم. وإنَّ الملامح العامة حقيقية بالفعل، إلا أنها خلال رسمها تحوَّلت إلى صورتي أنا عنها». وفي نهاية الرواية وضع هارتمان مسردًا مفصلاً بالأحداث الكبرى في حياة سالمة وأبنائها. تتعدد الأزمنة في هذه الرواية وتتشتت الأمكنة وتتبعثر مع ازدحامها بسير حياة أبناء سالمة ومساراتهم. وفي هذه الفصول جميعها يسيطر صوت السارد (الابن سعيد رودولف) على مسارات الحكاية؛ فنحن نتعرف إلى شخوص الرواية من خلال سرده هو ومن خلال صوته هو. رغم عشقي للروايات التاريخيّة وروايات التخيّل التاريخيّ فإنني لم أجد في هذه الرواية جاذبية سردية بسبب السرد شبه التوثيقيّ الذي يعوق المتلقي من إنشاء مساحات التأويل الخاصة به؛ لذلك أرى شخصًيا أنَّ كتاب سالمة «مذكرات أميرة عربية» و«رسائلها» كذلك توفر للمتلقي تلك المساحات الواعدة بالشغف والتخيل أكثر من هذه الرواية التوثيقيّة التي جاءت مثقلة بالشخوص ومتكدسة بالأزمنة والأمكنة والتواريخ. كان بإمكان الروائيّ استثمار «خطاب التشتت» الذي نجده عند سالمة في مذكراتها وفي رسائلها إلى الوطن؛ إذ تقول: تركتُ وطني عربيّة كاملة ومسلمة صالحة، فماذا أنا اليوم؟ مسيحية غير صالحة وأكثر قليلاً من نصف ألمانية! وكان بإمكانه كذلك التركيز الأكبر على شخصية الابن سعيد في مسارات حياته بين النوستالجيا والشعور بالفخر إلى جذوره السلطانية. والحفيد بالفعل ألف كتابا عن سيرة حياة جده السيد سعيد بن سلطان، هو كتاب رغم موضوعيته إلا أن خطاب الاعتزاز والفخر يطغى عليه، وبين مسارات اللاانتماء والتشتت في خطاب سعيد بضرورة السلام بين الأمم ذات الثقافات المشتركة. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين
مشاركة :