يمثِّل الأمن الغذائي تحديًا عالميًا كبيرًا في القرن الحادي والعشرين، حيث يعاني ملايين الأشخاص من نقص الغذاء على الرغم من التقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاج الزراعي. في عام 2021، بلغ عدد الأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم 828 مليونًا. ويرجع ذلك لعدة عوامل مثل تغيّر المناخ، الصراعات، والأزمات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل سلاسل توريد الحبوب والأسمدة. ونهدف من وراء تلك السلسلة من المقالات (أربع مقالات) المتعلقة بتأثير عوامل التغيُّر المناخي على الأمن الغذائي العالمي إلى تقييم تأثير هذه العوامل على الأمن الغذائي وتحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر، بالإضافة إلى تطوير إستراتيجيات للتكيّف والتخفيف، واستعراض أهم التجارب الدولية في هذا الشأن. وقد أتبعنا في تحليلنا هذا أسلوب المراجعة المنهجية في جمع وتنسيق وتحليل البيانات المستمدة من الدراسات السابقة والأوراق البحثية المنشورة في الدوريات العلمية، مع التركيز على تقييم جودة تلك الدراسات وأهميتها في توجيه السياسات والممارسات القائمة على الأدلة. تم اختيار الدراسات بناءً على معايير مثل الاعتماد، الحداثة، والتوافر العالمي للبيانات. وسنتطرق في مقالنا الأول من تلك السلسلة إلى استعراض لتعريف وأسباب وسمات (مظاهر التغيُّر المناخي) وأبعاد تأثيره. بينما نتطرق في المقال الثاني إلى استعراض تعريف ومفهوم الأمن الغذائي العالمي ومحدداته والعوامل المؤثِّرة عليه والوضع الحالي والمستقبلي لحالة الأمن الغذائي عالميًا. سنتناول في المقال الثالث تحليل لتأثير التغيُّر المناخي على الأمن الغذائي العالمي، واستعراضًا لمفهومي التكيف والتخفيف وأهم الإستراتيجيات المرتبطة بهما للحد من آثار تغيُّر المناخ على الأمن الغذائي. بينما يتناول المقال الرابع الأخير استعراضًا لسياسات وبرامج دعم الأمن الغذائي العالمي وأهم التجارب الدولية الناجحة في هذا الشأن. تغير المناخ: التحديات والآثار يشير تغيّر المناخ إلى التغيّرات طويلة الأمد في أنماط الطقس والمناخ على مستوى العالم، بما في ذلك تقلبات درجات الحرارة وهطول الأمطار والأحداث الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والعواصف. وترجع أسباب تغيّر المناخ الذي يشهده العالم حالياً إلى: 1 - انبعاثات الغازات الدفيئة: وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ارتفعت تركيزاته من 280 جزءاً في المليون إلى أكثر من 410 أجزاء في المليون، يليه غاز الميثان الذي ارتفع تركيزه من 700 جزء في المليار إلى 1875 جزءاً في المليار، منذ الثورة الصناعية حتى الآن. ثم غاز أكسيد النيتروز الذي تتأتى مصادره الرئيسية من الأنشطة الزراعية والصناعية. 2 - استخدام الوقود الأحفوري: والمتمثّل في حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ويمثّل حوالي 75 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية. 3 - إزالة الغابات: والذي يتسبب في إطلاق الكربون المخزن في النباتات والتربة. 4 - الزراعة والثروة الحيوانية: فتربية الماشية مسؤولة عن نحو 37 % من انبعاثات الميثان العالمية، ثم تأتي 5 - الصناعات الكيميائية واستخدام الأسمدة: والتي تؤدي إلى انبعاثات أكسيد النيتروز. سمات تغير المناخ: تتمثَّل أهم سمات التغيّر المناخي العالمي في: - ارتفاع درجات الحرارة: ارتفعت بمعدل 0.18 درجة مئوية لكل عقد منذ عام 1981. - ارتفاع مستوى سطح البحر: ارتفع بمقدار 3.7 ملم سنويًا بين عامي 2006 و2018. - زيادة وتيرة وشدة الأحداث الجوية المتطرفة: زاد عدد الأحداث الجوية المتطرفة بنسبة 39 % بين عامي 2000 و2019. تأثيرات التغيُّر المناخي تتخذ تأثيرات التغيُّر المناخي العالمي عدة أبعاد، لعل أهمها وأكثرها وضوحاً هما: - البعد البيئي: والمتمثِّل في التأثيرات على النظم البيئية والتنوّع البيولوجي وأنماط هطول الأمطار. - البعد الاقتصادي: والمتمثِّل في التأثيرات على القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والطاقة والسياحة. - البعد الاجتماعي: والمتمثِّل في التأثيرات على الصحة البشرية والأمن الغذائي والمائي والهجرة القسرية. - البعد السياسي: والمتمثِّل في التحديات السياسية والتنظيمية في معالجة تغيُّر المناخ عبر الحدود الوطنية.
مشاركة :